وقد حكي أن الصحابة رضي الله عنهم في تدارسهم للقرآن أخذوا يتباحثون: أي آية في كتاب الله أرجى؟ فقال الصديق رضي الله عنه وأرضاه: قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره فلم أر آية أعظم وأرجى من قول الله: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}[الإسراء:٨٤]، ثم علل فقال: إن العصيان يشاكل العبد، والغفران يشاكل الرب تبارك وتعالى؛ لأن الغفران أليق بالرب، كما أن العصيان أقرب إلى العبد، وهذا يروى كذلك عن علي من وجه آخر: أنها أرجى آية في كتاب الله؛ لأنهم قالوا: إن الله جل وعلا سبقت رحمته غضبه.
وفي نفس الرواية قال عمر رضي الله تعالى عنه: قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره فلم أر آية أعظم وأرجى من قول الله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم: {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}[غافر:١ - ٣]، قال: فقدم غفران الذنب على قبول التوبة.
فقال عثمان: وأنا قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره فلم أر آية أرجى من قول الله جل وعلا: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الحجر:٤٩].
وقال علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه: وأنا قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره فلم أر آية أرجى من قول الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر:٥٣]، فهذه أربع روايات عن أكابر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
قال القرطبي رحمه الله: وأنا قرأت القرآن كله من أوله إلى آخره فلم أر آية أرجى من قول الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[الأنعام:٨٢]، ولكل دليله، وهذه عظمة القرآن أنه كتاب مفتوح تجري في مضماره أفكار العلماء.