للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إلا إن لله ما في السموات والأرض)]

ثم ختم ربنا جل وعلا هذه السورة المباركة بقوله: {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٦٤].

لقد مر في هذه السورة أحكام ومواعظ، وقصص وتشريع لا يمكن أن يأتي به إلا القادر الرب الواحد، ولهذا قال جل وعلا: {أَلا إِنَّ لِلَّهِ} [النور:٦٤] و (ألا) استفتاحية {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٦٤] فهو الرب، وهو الخالق، وهو الرازق، وهو المدبر، وهو الحكيم، وهو الأعلم بخلقه، فمن البداهة أن يكون منه فبدهياً جداً أن يكون منه ذلك التشريع.

فالتشريع جاء هنا ممن له حق التشريع، وليس لأحد دون الله حق التشريع وقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:٦٤] (قد) هنا للتحقيق قولاً واحداً، ولا ينبغي الالتفات إلى قول النحاة هنا: إن (قد) تكثر في زمن المضارع، ولو سلمنا بهذا الاستخدام في لغة العرب كثيراً، ولكنها هنا للتحقيق قولاً واحداً.

وقوله: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:٦٤] يعني: يعلم حالكم من الموافقة والمخالفة، ومن النفاق والإخلاص، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، لا رب غيره ولا إله سواه، ولا تخفى عليه خافية.

قال تعالى: {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} [النور:٦٤] أي: جميعاً {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [النور:٦٤] وهذا يوم يقوم فيه الأشهاد، ويحشر فيه العباد.

ثم ختم الله جل وعلا الآية بقوله: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٦٤].

فالله جل وعلا وسع علمه كل شيء، وهو جل وعلا يعلم ما قد كان، وما سيكون، وما هو كائن، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.

وبهذا نختم تأملاتنا في سورة النور، فنسأل الله أن يرزقنا نوراً نهتدي به، ورزقاً حلالاً طيباً نكتفي به.

وقد مر معنا في أول السورة أنها سورة مدنية، وأن فيها من التشريع ما جعل عمر يطلب من الناس أن يعلموها أبناءهم ونساءهم على وجه الخصوص، وتعلقت بها كثير من الأحكام، وانجلت بها الغمة في فصل خطابه عن حديث الإفك، وذكر الله جل وعلا فيها الآداب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر الجامع، وذكر الله جل وعلا فيها أشياء أخر، ومواعظ كثر، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، والله المستعان وعليه البلاغ.

هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.