قلنا: إن القرآن لا يفهم إلا عن طريق السيرة، فالأمر الجامع من حيث الإجمال هو الأمر الجلد، أما المعنى هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث منادي ينادي:(الصلاة جامعة) في الخطوب العظيمة.
فالله جل وعلا هنا يقول: إن الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يدعوكم لأمر جامع إلا وهو ذو شأن، فهو في حاجة ملحة إلى معرفة رأيكم، وإلى أن تأخذوا عنه، فإذا دعاكم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يحسن بكم أن تخرجوا دون إذن؛ لأن هذا ينافي السبب الذي من أجله جمعكم، فجعل الله جل وعلا الاستئذان من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم من دلائل صدق الإيمان، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ}[النور:٦٢] وهذا يسمى تفويضاً، وبعض العلماء يقول: هذه الآية تسمى: المفوضة، والمعنى: أنه تقرر في الأصول أن الله جل وعلا فوض بعض الأمور إلى رأي نبيه، كمثل هذه الآية، حيث قال تعالى:{فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ}[النور:٦٢] وجملة: (واستغفر لهم الله) تشعر بأنه حدث منهم ما يوجب الاستغفار، {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:٦٢].