[بيان صلة آداب دخول البيوت بالكلام عن الزنا وأحكام القذف]
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أراد ما العباد فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فهذا هو الدرس الرابع من دروسنا في سورة النور، وقد بينا من قبل أنها سورة قد جمعت أحكاماً وآداباً، وكان الصحابة -كما هو المنقول عن عمر وعائشة - يوصون الناس بتلاوتها وتدبرها، وقد مضى الحديث في الدروس الأولى أكثر ما كان يتعلق بقضية فاحشة الزنا، فذكر الله جل وعلا أحكام فاعليها ومآلهم وحد القذف، ثم ذكر الله بعد ذلك براءة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وقد ناسب الكلام عن الزنا والفواحش أن يكون بعده آداب تبين للمؤمنين الطرائق المثلى للنجاة من تلك الفواحش، والقرآن مفزع أهل الملة يلجئون إليه؛ لأن الله جل وعلا جعل فيه خبر الغابرين وأنباء السابقين، وأحكاماً أنزلها على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فلما كان الزنا بريده الخلوات والنظر والاطلاع على العورات، ناسب بعد ذلك أن يبين الله جل وعلا الطرائق المثلى والسبل العليا في غض البصر وحفظ الفرج وسلامة البيوت وستر العورات؛ حتى يكون المؤمنون على بصيرة من أمرهم.
والرب جل وعلا يقول في كتابه العظيم:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}[البقرة:٢٦]، ومن أراد أن يبين للناس الحق ويدلهم على الرشد فإنه لا يستحيي من أمر دون آخر، وإنما يكشف الأمور بجلاء، وكذلك القرآن تنزيل رب العالمين جل جلاله، فقد يقول قائل: كيف يتكلم الله عن العورات، وكيف يتكلم الله عن البيوت، وكيف يتكلم الله عن المحيض؟! والجواب أن هذا الكتاب جعله الله جل وعلا هدى بين فيه للناس ما يهمهم في أمر دينهم ودنياهم.
ولما كان يوم القيامة يوم حساب ويوماً تعرض الأعمال فيه على الله كان حقاً على الله من قبل ذلك -ولا ملزم لله- أن يبين لخلقه كل أمر؛ حتى يكون الحساب على ذلك، قال الله جل وعلا:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}[التوبة:١١٥].