[تفسير قوله تعالى:(ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين)]
ثم عاد الخطاب منهياً قصة أصحاب الكهف، وقلنا مراراً: إن من أعلا أنماط التفسير إيضاح القرآن بالقرآن، والله جل وعلا لم يقل في أول القصة كم ضرب على آذانهم، وإنما قال:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا}[الكهف:١١]، وهذا الإبهام بينه الله في آخر القصة قال جل ذكره:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}[الكهف:٢٥].
وهناك طريقان لتفسير الآية: الطريق الأول: أن يقال: إن الله أراد أن يقول: إنهم لبثوا ثلاثمائة وتسع سنين، وإنما أتى بها بهذه الطريقة لتناسب رءوس الآيات؛ لأنه لو قال: لبثوا في كهفهم ثلاثمائة وتسع سنين لما أصبحت فواصل الآيات متطابقة.
والذي عليه الجمهور: أن الله أراد أن يقول: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}[الكهف:٢٥]؛ لأن الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال هم أهل قريش، الذي أرشد قريشاً إلى أن تسأل هم أهل الكتاب، فأراد الله أن يقول: لبثوا ثلاثمائة سنين بحسب من أرشد وهم أهل الكتاب بالسنة الشمسية، ((وَازْدَادُوا تِسْعًا)) على الثلاثمائة بحساب من سأل وهم: قريش الذين يحسبون بالسنة القمرية، وهذا الجواب لا يقدر عليه إلا الله الذي أحاط بعلم أهل الكتاب، وبعلم قريش؛ لأن العلم بالفوارق بين السنين الشمسية والقمرية قلما يهدى إليه كل واحد، وهذا يحتاج إلى رجل حاذق ذي علم بطرائق الأفلاك، أو أمة تربت على هذا الشأن، لكن الله تبارك وتعالى علم نبيه ما لم يكن يعلم، وإلا فإن علم الله أعظم من ذلك وأجل، فيصبح هذا حل الإشكال في الآية:{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}[الكهف:٢٥].