وبعد أن تأكد موسى أن الأمر ما زال في قبضته، وأن بني إسرائيل لم تتفرق؛ رجع إلى السامري يحاكمه فقال له:(ما خطبك يا سامري)؟ يسأله، فقال السامري ما ذكرناه من أنه قبض قبضة وأنه جمع وما إلى ذلك.
وموسى معروف بحدته، وقد مر كثيراً ونحن ندرس القرآن والسنة حدة موسى في ذات الله، ومنها ما حصل منه مع الخضر، ومنها الموقف الذي بين أيدينا من مجازاته لأخيه، لكنه قال للسامري:{فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ}[طه:٩٧]، قال أهل العلم جملة في معناها: أن الله جل وعلا حكم على هذا الرجل الضال بأن لا يكون فيه أنس مع الغير، فيستوحش من الناس، ولا يكونون مخالطين له، وأنه يبقى ما بقي من حياته يعيش طريداً شريداً لا يأنس بالخلق، هذا جملة ما قالوه.
وبعض الناس من المتأخرين ممن لهم دراية بالتاريخ -والوجه الذي اتكئوا عليه صحيح، لكن لا يلزم من الوجه الذي اتكئوا عليه إذا كان صحيحاً أن تكون النتيجة صحيحة؛ لأنني أقول دائماً: إن قضية الغيب تبقى غيباً- فقالوا: إن الله جل وعلا أراد أن يبقي على حياة السامري، ولهذا لم يعنفه موسى، بل قال:{فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ}[طه:٩٧]، والسابقون كانوا يقولون: إن الموعد هو يوم القيامة، لكن هذا فيه نظر؛ لأن هذا موعد لا يختص بـ السامري وحده، فقالوا إن القضية قضية الدجال، وإن السامري هو الدجال، وإن الله أذن له أن يبقى ويعيش ولم يسلط عليه عبده موسى حتى تبقى حياته، فإذا بقيت حياته فإن الموعد الذي لن يخلف هو وقت خروجه للناس، ثم وقت هلاكه على يد عيسى ابن مريم.
أقول معقباً والعلم عند الله: هذا القول له حظ كبير من النظر، لكن من الصعب تبنيه والجزم به؛ لعدم وجود ما يدعمه من الأثر، لكن أقول: إن العقلية التي تنتبه لمثل هذا عقلية مؤهلة لأن تنظر في كلام الله، وهذا من العلم الذي تجري فيه أقدام العلماء هذا أمر.
الأمر الثاني: هذا يسمى من مليح القول لا من متين العلم، هذه جملة ما ذكره الله جل وعلا عن السامري.