للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وما أعجلك عن قومك يا موسى وعجلت إليك رب لترضى)]

قال الله جل وعلا بعد ذلك لموسى وهو في جبل الطور: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:٨٣]، هذا يفهم منه أن موسى استبق قومه إلى جبل الطور ليتحقق الوعد المكاني والزماني، فقد ضرب الله له ميقاتاً زمانياً ومكانياً، الميقات الزماني أربعون يوماً، والميقات المكاني جبل الطور، فسبق موسى قومه، وجعل أخاه هارون يخلفه فيهم، فسأله ربه: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [طه:٨٣]، و (ما) هذه استفهامية {قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:٨٤]، قال بعض العلماء: إن هذا الجواب غير مطابق للسؤال، فقد كان ينبغي أن يقول: أعجلني كذا وكذا، ولا يقول: إن قومي قريبو عهد بي ومكان، لكن قالوا: لماذا احتار موسى في الجواب؟ قالوا: لأنه هاب معاتبة الله جل وعلا له، فلم يجد جواباً يخاطب به ربه، والمقصود أن معاتبة الله جل وعلا لموسى وسؤاله إياه أوقع في موسى الرهبة والخوف، فكان جوابه غير مطابق للسؤال، وإذا صح هذا التأويل الذي اختاره بعض أهل العلم فحري بنا أن نقول: إذا كان هذا النبي الكريم الذي لم يقترف ذنباً أصابه ما أصابه من الذهول لما عاتبه ربه، فكيف بمن يلقى الله جل وعلا وقد عصاه، وتجاوز حدوده، وانتهك حرماته!! نسأل الله السلامة والعافية.

{قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَى أَثَرِي} [طه:٨٤]، أي: غير بعيد عني {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤]، هذه تصلح جواباً، وقد قال العلماء بناءً على هذه الآية: إن العجلة مذمومة إلا إذا كانت مسارعة في الخيرات، وقوله: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤]، فيه أن طلب رضوان الله جل وعلا من أعظم المقاصد وأجل المطالب، ولا توجد عطية أصلاً بعد رضوان الله، قال الرب تبارك وتعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَر} [التوبة:٧٢]، وكلما كانت بغية المرء أن ينال رضوان الله جل وعلا كان من أعظم الساعين في أسباب التوفيق، فوالله إنك لن تخرج من دارك تطلب أمراً أعظم من رضوان الله.

فكلما غلب على ظنك في عمل أن فيه رضوان الله فلا تتردد في السعي إليه عاجلاً أم أجلاً.