للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وقل الحق من ربكم)]

قال الله: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف:٢٩] فالدين دين حق آمنتم أو لم تؤمنوا، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩].

وأكثر الصحفيين في عصرنا يجعلون من هذه الآية دليلاً على التخيير، ويقولون لمن يجنح إلى الدعوة ماذا تريدون من الناس والله قد أطلق لهم العنان فقال: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:٢٩].

وقد قال علماء الملة ونصراء الدين، وأئمة التفسير: ليس المقصود من الآية التخيير، وإنما السياق سياق تهديد ووعيد، والدليل على أنه سياق تهديد ووعيد: إن الله قال بعدها: {وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} [الكهف:٢٩] والظالمون هم المشركون الذين حادوا عن طريق الحق.

فقول الله سبحانه: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:٢٩] قرينة على أن المقصود ليس التخيير فيما سبق، وإنما هذا سياق تهديد ووعيد، كما أن من المراد من التهديد والوعيد إظهار استغناء الله ورسوله عن نصرة أهل الإشراك، فالدين حق آمنتم أو لم تؤمنوا، نصرتم أو لم تنصروا، دخلتم فيه أو حدتم عنه، المعنى: لا يضر الله جل وعلا ذلك شيئاً.

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:٢٩].

السرادق هو: الفسطاط، أو خيمة الشيء، أو المسور له ولذلك معان واسعة، لكن تفهم منه الإحاطة، ((أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا)): شرطية، ((يُغَاثُوا)) واقع في جواب الشرط، ولذلك حذفت نونه؛ لأنه من الأفعال الخمسة.

((وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ)) والأصل: أنهم طلبوا الإغاثة ليشربوا، لكن الله لم يقل إنهم ازدادوا عطشاً، ولم يقل إنه ذهب عطشهم، وإنما جاء بشيء آخر قال: ((وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ)) ويأتي السؤال ما علاقة الوجوه بماء يشرب؟ والمقصود: أن هذا الماء إنما دعوا به ليذهبوا حر عطشهم، فما إن قرب منهم لشدة حرارته التي هي كالمهل أي: كعكر الزيت، ما إن يدنوه من أفواههم حتى تتساقط فروة وجوههم فهذا قبل أن يطعموه، فكيف بعد ما طعموه، ولا ينجيك من هذا إلا الله، فمن توكل على الله كفاه الله خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ومن حاد عن الله فإن الله قال قبلها: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:٢٧].

قال الله: ((بِئْسَ الشَّرَابُ)) وهذا أسلوب ذم عند العرب، وبئس: فعل ماض جامد ناقص التصرف، يعني: لا يتصرف تصرفاً كاملاً، بئس الشراب والمخصوص بالذم محذوف والتقدير: بئس الشراب هذا الماء.

((بِئْسَ الشَّرَابُ وسَاءَت)) مثل بئس سياق الذم مرتفقاً، والمرفق إنما يتكئ الإنسان عليه إذا شعر بالإعياء، وليس في النار راحة، وإنما المقصود: أسلوب تهكم بهم، فليس الخطاب على حقيقته.

((بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)) أي: جهنم أعاذنا وإياكم منها.