قال تعالى:((كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ)) يحتمل أن يعود الضمير إلى إبراهيم ويحتمل أن يعود إلى نوح، فالذين قالوا: هو عائد على إبراهيم قالوا: إن الكلام عن إبراهيم، وما قول الله جل وعلا:{وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ}[الأنعام:٨٤] إلا جملة اعتراضية.
والذين قالوا: إن الضمير يعود على نوح قالوا: دليل ذلك الصناعة النحوية، وذلك أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وأقرب مذكور هو نوح، واحتجوا كذلك بأن الله جل وعلا ذكر لوطاً، ولوط ليس من ذرية إبراهيم؛ لأنه ابن أخيه.
فأجاب الأولون فقالوا: إن كون لوط ابن أخ له لا يمنع أنه ابن له، فإن الله سمى في كتابه العم أباً، قال الله جل وعلا:{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}[البقرة:١٣٣]، ومعلوم أن القائلين هنا هم أبناء يعقوب، وإسماعيل عم ليعقوب؛ لأن أباه إسحاق، فسمى الله العم أبا في كتابه العظيم، وهذه حجة من قال: إن الضمير يعود على إبراهيم.
ولا يوجد مرجح نجزم به في الآية، فالآية تحتمل هذا وتحتمل هذا، وإن كان أكثر العلماء على أنها عائدة على إبراهيم باعتبار أن السياق يتحدث عن إبراهيم.