[تفسير قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا)]
قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة:١٠٤].
السحر تمويه وتلاعب يقصد به خداع الناس والضرر بهم، وله حقيقة كما عليه جمهور أهل السنة سلك الله بنا وبكم سبيلهم، وناسب أن يذكر الله بعد السحر المحرم سحراً آخر يشمل نوعاً من التمويه، ولا نقول: سحراً بمعناه الحقيقي، قال الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا}[البقرة:١٠٤].
العلماء رحمهم الله في هذه الآية على طريقين: طريق تجنبوا مسألة سبب النزول، وإنما رأوا للفظة ونقشوها مع قرائنها من السنة، ففي السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تسموا العنب كرماً) وقال: (لا يقل أحدكم: عبدي وليقل: فتاي) فقالوا: هذا النهي من جنسه، النهي عن كلمة راعنا من جنس النهي عن تسمية العنب كرماً، وعن قول السيد لعبده: يا عبدي، وجعلوا كلمة راعنا مجرد كلمة كان يقولها المؤمنون فكرهها الله وأبدلهم غيرها وهي انظرنا، وهذا المسلك اختاره إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمة الله تعالى عليه.
والآخرون من العلماء نظروا للآية مع سبب نزولها وفق ما ثبت عندهم فقالوا: إن كلمة راعنا بمعنى تأن بنا وأعطنا سمعك وأشفق علينا، وهي توافق بالعبرية في لفظها كلمة سيئة عند اليهود، فلما رأت اليهود أن الصحابة يخاطبون النبي بهذا اللفظ صاروا يخاطبونه بها وهم يقصدون معناها في العبرية، وقال بعضهم لبعض: كنا نسب محمداً سراً واليوم نقدر أن نسبه جهراً، فلما أراد الله أن يقطع دابرهم ويسد الذريعة عليهم قال جل وعلا للمؤمنين في مخاطبة نبيه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا}[البقرة:١٠٤] دفعاً لتوهم يهود، {وَقُولُوا انظُرْنَا}[البقرة:١٠٤] والمعنى في إجماله واحد، نقول للقائم بمصالح الوقف ناظر، والناظر القائم بتدبير مصالح الناس، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قائم بشئون أمته وشئون أصحابه في المقام الأول، فاللفظ قريب من معنى راعنا بل أفضل منه، فقطع الله جل وعلا بهذا الطريق على اليهود وما يريدونه من تلك اللفظة.
وهذا الذي يترجح عندي لسبب خارج عن النص، والمرجح إن كان من خارج النص يكون أقوى، فالآية التي قبلها والتي بعدها تتكلم عن اليهود كذلك تتكلم عن اليهود آية:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}[البقرة:١٠٥]، ووضع هذه الآية بين هاتين الآيتين يرجح أن المسألة تتعلق باستعمال اليهود لهذه اللفظة.
{لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا}[البقرة:١٠٤] ولم يحدد الله المفعول، قال العلماء: حتى يعلم أن المؤمن مطالب بأن يسمع كلام الله جل وعلا ويمتثله أياً كان.