للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فلما أتاها نودي يا موسى إنك بالواد المقدس طوى)]

قال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه:١١ - ١٢] من الذي ناداه؟ إنه رب العزة جل جلاله، وهذا مقام عظيم ومنزل شريف وعطية قل ما تعدلها عطية إلا أن يرى العبد ربه ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى))، وقد كان في خوف فطمأنه الله ولم يطالبه بالتكليف، بل قال له: إني أنا ربك؛ ليشعره بالاطمئنان، والإنسان عندما يسمع رجلاً أقوى منه مديره أو أبوه أو أخوه يطمئنه أنه معه فيغشاه شيء من السكينة، فكيف إذا سمع عبد مخلوق في ليلة شاتية مظلمة رب العزة جل جلاله يناديه: إني أنا ربك، من غير واسطة.

((فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) والمقصود من خلع النعلين أمران: الأول: أن تمس موسى كله بركة الوادي، فلا يصبح هنا فاصل بين بركة هذا الوادي المقدس وبين جسد موسى، الأمر الثاني: أن يشعر موسى بالتواضع وعظمة الوقوف بين يدي رب العزة والجلال جل جلاله في مقام العبودية.

((إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى))، وانظر كيف يؤدب الله نبيه ويرعاه ويخبره بكل شيء؛ فأخبره بأنه ربه، وأخبره بأنه في واد مقدس اسمه: طوى، والإنسان إذا كان يجهل الأشياء التي حوله يصيبه الرعب، فأول شيء أعطاه الله لنبيه موسى أن عرفه بالأشياء التي حوله.

وقوله: ((بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى))، هذه شهادة من رب العباد لهذا الوادي بأنه واد مقدس قطعاً، ولو لم يكن وادياً مقدساً لما اختار الله تلك البقعة التي سماها في سورة أخرى: (بقعة مباركة) ليكلم فيها عبده وكليمه وصفيه موسى بن عمران.

وقوله: (طوى): بدل من الوادي المقدس، أي: اسم الوادي طوى.