تفسير قوله تعالى:(إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها)
قال ربنا وهو أصدق القائلين:{إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}[البقرة:٢٦] مر معنا: أن ضرب الأمثال تريد به العرب ثلاثة أمور: إيجاز اللفظ، ودقة التشبيه، وإصابة المعنى، وهذا مر معنا في شرحنا لقول الله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ}[النور:٣٥].
هنا الله جل وعلا يخبر أن الغاية من ضرب الأمثال: إظهار الحق وإقامة الحجج، والأمثال لا بد أن تكون قريبة من الناس واضحة، فلا يستنكر أن الله قال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا}[الحج:٧٣] فعبر بالذباب؛ لأن الذباب أمر معروف لا يختلف الناس فيه، وكذلك البعوض، والمقصود إقامة الحجة وإيضاح المحجة، وهذا لا يكون إلا بالشيء المتعارف عليه.
والناس في تلقيهم لخطاب القرآن فريقان: فريق يؤمنون كما قال الله في العظماء من أهل الإيمان: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}[آل عمران:٧] وأما غيرهم فيصيبهم الشك: {فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}[البقرة:٢٦] فيأتي الجواب، قال الله تعالى:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}[البقرة:٢٦] إذا نزلت الأمثال القرآنية والحجج الإلهية اختلف الناس فيها، وأهل الفسق يضلون عنها.
ثم ذكر الله جل وعلا جملة من صفاتهم:{الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}[البقرة:٢٧] وأعظم ما أمر الله به أن يوصل الرحم {وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[البقرة:٢٧].