للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر)]

قال الله جل وعلا: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة:٦٠] كانوا بصحراء التيه فبدهي أن يعطشوا، والدنيا تتقلب بأهلها ما بين جدب وما بين إمطار، ففي لحظات جدب طلبوا من الله عن طريق موسى الغوث؛ فاستسقى موسى لقومه، فأمره الله أن يضرب بعصاه الحجر، قال الله: (فَانفَجَرَتْ مِنْهُ) تقدير الآية: فضرب فانفجرت؛ لأن الانفجار ما كان بالأمر، الأمر كان لموسى، فنفذ موسى أمر الله فانفجر.

ويذكر المفسرون هنا أي حجر هذا؟ لأن الألف واللام إما أن تكون للجنس فتشمل أي حجر، أو للعهد، والعهد ينقسم إلى قسمين: عهد لفظي وعهد ذهني، وقطعاً لا يوجد عهد لفظي؛ لأنه لم يذكر الحجر من قبل، فما بقي حمله -إذا قلنا بالعهد- إلا على العهد الذهني، فقال بعض العلماء: إنه حجر كان الله جل وعلا قد آتاه موسى، ونقل عن سعيد بن جبير: أنه الحجر الذي هرب بلباس موسى عندما كان موسى يغتسل، لكن الذي يبدو لي -والله أعلم- أنه حجر غير معين؛ لأنه لم يرد لفظياً؛ ولا يوجد من الحجارة ما يمكن حمل الأمر الذهني عليه، فلم يرد في القرآن أن هناك حجراً اختص به موسى، والمرجع في كلام الله إلى كلامه.

فقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ} [البقرة:٦٠] أي: ذلك الحجر، {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [البقرة:٦٠] وكانت أسباط بني إسرائيل اثني عشر سبطاً، {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:٦٠] فلا يختلطون، كل قبيلة، كل شعب يشرب من تلك العين، {كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ} [البقرة:٦٠] كلوا من المن والسلوى واشربوا من الماء، {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:٦٠] العثاء في الأرض أشد أنواع الإفساد.