تفسير قوله تعالى:(وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنهم الله من فضله)
ثم قال جل شأنه:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:٣٣].
الألف والسين والتاء في قوله:{وَلْيَسْتَعْفِفِ} للطلب، أي: يطلبون العفة في حالة عجزهم عن تحقيق أمر النكاح.
والعجز هنا المقصود به العجز عن السبب في الوصول إلى فتح باب الزوجية، إما لفقر وهو الأظهر، وإما لحالة اجتماعية يمتنع من خلالها الناس أن ينكحوه، وأمثال ذلك.
ولا يمكن لنا أن نقيد ما أطلقه القرآن؛ لأننا إذا قيدنا ما أطلقه القرآن فلن نجعل هذا القرآن حاكماً على كل زمن، والأصل أن القرآن حاكم على كل زمن ومهيمن على كل كتاب.
وبيان ذلك أنه قد يخرج إنسان من السجن وهو شاب ثري عنده مال، ومع ذلك لا ينكح من أهله أو من قبيلته أو من أبناء جلدته، فلو جعلنا عدم الوصول للنكاح محصوراً في المال فماذا سنقول في هذه الصورة؟! هل نقول: إنها غير مذكورة في القرآن؟! فقول الله:{يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:٣٣] جملة واسعة، بمعنى: إن كانوا فقراء فسيغنيهم، وإن كان هناك عارض آخر فسيزيل الله جل وعلا.
والمفسر للقرآن يحتاج إلى تأن واطلاع على أحوال الناس قبل أن يخوض في الحكم على آيات الله ويبين مراد الرب تبارك وتعالى منها.
يقول تعالى:((وَلْيَسْتَعْفِفِ)) [النور:٣٣] وطريقة الاستعفاف مفتوحة؛ لأن أحوال الناس تختلف، ولكن هناك طريقة منصوصاً عليها، وهي ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال:(فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) أي: مانع.
والمقصود أن الإنسان أدرى بنفسه، فكل ما يستطيع أن يعف به نفسه فليفعله.