للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين)]

ثم قال الله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [الأنعام:٢٣]، هذا نفي بعده استثناء، وهذا يسمى أسلوب حصر.

واختلف العلماء في معنى (فتنتهم) هنا على أقوال، والقول الذي يغلب على الظن أنه أقرب هو أن الفتنة هنا بمعنى الشرك، ولكن لا بد من تقدير مضاف، فيصبح المعنى: ثم لم تكن عاقبة شركهم {إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:٢٣]، فالذي يقول: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:٢٣] هم أهل الشرك، وهذا منهم كذب؛ لأنهم كانوا مشركين.

وكيف يجمع الإنسان بين هذه الآية وبين قول الله جل وعلا: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤٢]؟! فقول الله جل وعلا: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤٢] فيه أنهم يخبرون بكل شيء فعلوه على وجه الحقيقة والصدق، والله يخبر هنا أنهم يقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:٢٣]، وهذا كذب، لأن الله قال بعده: {انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ} [الأنعام:٢٤].

لقد طرح هذا السؤال على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقال رضي الله عنه وأرضاه في الجواب عن هذا: إن أهل الإشراك إذا رأوا منة الله بالعفو على أهل التوحيد والإسلام، ورأوا أن الله يعفوا ويخلص أهل التوحيد يقول بعضهم لبعض: لم يبق إلا أن نتبرأ من الشرك، لعله يعفى عنا كما عفي عن غيرنا، فعندها يقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:٢٣]، فيختم الله على أفواههم بعدها، فتنطق جوارحهم وتشهد، فهذا معنى قول الله: {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤٢].