[معنى قوله تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون بيه بين المرء وزوجه)]
قوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ} [البقرة:١٠٢] يعني من يرغب منهم.
{مِنْهُمَا} [البقرة:١٠٢] أي من الملكين.
{مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:١٠٢] أي الذي يفرقون به بين المرء وزوجه، وهذا نص ظاهر بأن السحر الذي جاء به هاروت وماروت سحر التفريق.
وقول الله جل وعلا: {مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ} [البقرة:١٠٢] (ما) موصولة، وسمعت من بعض أهل التجربة القائمين على فك السحر من الناس من إخواننا القراء المتقنين، وهذا الباب قد فتح فتحاً واسعاً عياذاً بالله، أن (ما) تحتمل أربعة أشياء: تحتمل في سحر التفريق بغض الرجل لامرأته، وبغض المرأة لزوجها، والثالث عدم القدرة على الجماع، والرابع -وهذا الرابع في النفس من إثباته شيء- عجز المرأة عن الحمل، لكنني أقول إن (ما) في اللغة تحتمل هذا وأكثر، فلو ثبت شيء آخر غير الذي حررناه يدخل؛ لأن (ما) في اللغة تفيد العموم.
{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:١٠٢] ولما كان الرب جل وعلا خالق الأسباب والمسببات فما كان لها أن تمضي إلا بإذنه.
قال الله: {وَمَا هُمْ} [البقرة:١٠٢] أي هؤلاء السحرة.
{بِضَارِّينَ بِهِ} [البقرة:١٠٢] أي بالسحر.
{مِنْ أَحَدٍ} [البقرة:١٠٢] أي من الناس، و (من) إذا جاءت بعدها نكرة والجملة مسبوقة فهذا من أعظم صيغ العموم.
{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ} [البقرة:١٠٢] أي: أي أحد.
{إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:١٠٢] ولا يمكن أن يقع شيء قدراً إلا بإذن الله.
{وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ} [البقرة:١٠٢] فهم منها أكثر العلماء على أن السحر ضرر محض لا نفع فيه، والقرينة ظاهرة، فإن الله قال: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ} [البقرة:١٠٢] فلو سكت جل وعلا لفهم أنه قد يكون في السحر بعض المنفعة، لكن قول الله: {وَلا يَنفَعُهُمْ} [البقرة:١٠٢] هذا نفي للمنفعة، فدلت على أن السحر شر وضرر محض خالص، وممن صرح بهذا العلامة ابن سعدي رحمة الله تعالى عليه في تفسيره.
ثم قال الله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:١٠٢] أي: لا حظ له ولا نصيب، والاسم النكرة إذا جاء مسبوقاً بحرف الجر من والجملة منفية تعني النفي المطلق، وهذا من أعظم صيغ العموم في النفي، وهنا قال الله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا} [البقرة:١٠٢] هذا نفي.
{مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ} [البقرة:١٠٢] هذا حرف الجر، و {خَلاقٍ} [البقرة:١٠٢] اسم نكرة، فلما قال الله: {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:١٠٢] هذا نفي لأي حظ أو نصيب في الآخرة، ولا يقع النفي المطلق للحظ والنصيب في الآخرة إلا للكافر، وعلى هذا لا يتردد في كفر الساحر.
ثم قال الله: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٠٢] هذا سياق ذم؛ لأن بئس من أفعال الذم، وهنا نفى الله العلم قال: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٠٢]، وقبل قليل قال: {وَيَتَعَلَّمُونَ} [البقرة:١٠٢]، لكن لما كان هذا العلم لا ينفع جعله الله جل وعلا بمنزلة لا شيء من العلوم.
ثم قال الله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ} [البقرة:١٠٣] مثوبة هذه أو خير تحتمل معنيين إما مثوبة بمعنى الجزاء فيصبح المعنى: ولو أنهم آمنوا واتقوا كان جزاء الله لهم خير.
وتحتمل معنى العودة والأوبة والرجعة إلى الله، أي أنهم لو آمنوا واتقوا ورجعوا إلى ربهم لكان خيراً لهم.
{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٠٢].