قال الله تعالى:{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ}[الإسراء:٧٢]، أي: يوم القيامة.
{أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}[الإسراء:٧٢]، وهنا اختلف الناس في ما هو أعمى عنه؛ فبعض العلماء يقول: إذا قسناها على ما قبلها فإنه لا يستطيع أن يقرأ كتابه، فجعل القرينة الأولى دافعة لهذا القول.
وبعضهم يقول: من كان أعمى عن طريق الطاعات فسيكون أعمى عن طريق الجنة، ولا ريب أن المقصود من حيث الإجمال: أن من لم يوفق للطاعة ولم يحسن العمل في الدنيا فهو في يوم القيامة أشد ضلالة وبعداً، وأعظم فسقاً وجرماً، وهو بعيد عن رحمة الله تعالى وجنته، وقريب جداً من غضبه وسخطه ونيرانه، هذا مجمل ما دلت عليه الآية:{يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا}[الإسراء:٧١ - ٧٢].
إذاً تحرر من هذا: أن الآيات تأتي في مقام التفضيل، فذكر الله جل وعلا تفضيل بني آدم، ثم انتقل إلى التفضيل الأعم والأشمل والأكمل وهو ما يكون في عرصات يوم القيامة، وبين جل وعلا أن الحالة الأخروية إنما هي صورة للحالة الدنيوية، فمن تلمس طرائق الطاعات ولم يعمَ قلبه عن طرائق الهدى وفق يوم القيامة، وكان الاحتفاء به احتفاء جماعياً كحال الناس في الدنيا.
وأما من تلبس بالخزي والعار فإنه يتوارى ويحاول أن يستر فضيحته ويغطي جرمه، وهذا ما يقع من أهل المعاصي في الآخرة فلا يأتون لأحد بكتاب ولا يفرحون به، بل يكون منهم الويل والثبور، كما ذكره الله جل وعلا في أكثر من آية.
هذا مجمل ما تهيأ إيراده، وأعان الله جل وعلا على قوله حول هذه الآيات المباركات من سورة الإسراء، ثم إننا إن شاء الله تعالى نزدلف في اللقاء القادم إلى قول الله تعالى:{وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ}[الإسراء:٧٣].
فلما كانت هذه الآية وأضرابها تدخل فيما يسمى بعتاب النبي صلى الله عليه وسلم في -القرآن إن صح التعبير- فإنا نفردها في حلقة تامة لوحدها، فما مضى كان مترابط الأجزاء حررناه في مجلس واحد، والله المستعان، وعليه البلاغ، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.