[التخفيف في الاستئذان في غير الأوقات الثلاثة وحكمته]
قال تعالى:{ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ}[النور:٥٨] أي: ليس عليكم -أيها المخاطبون- {وَلا عَلَيْهِمْ}[النور:٥٨] يعني: المطالبين بالاستئذان.
والمراد العبيد والجواري، والأطفال الأحرار.
قال تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ}[النور:٥٨] أي: إثم ولا حرج ولا ضيق {بَعْدَهُنَّ}[النور:٥٨] الضمير عائدة على الثلاث المرات.
قال تعالى:{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النور:٥٨].
الأصل أن العبيد والجواري يلجون إلى بيوت ساداتهم وحجراتهم وغرفهم، فإذا احتجت إلى خادمك فإما أن تذهب إليه، وإما أن يأتيك ليؤدي لك خدمة.
والطفل دون البلوغ جرت العادة بأنه يدخل ويخرج على أبويه وأجداده، وسائر أهل البيت، فاشتراط الاستئذان هنا يجلب الحرج، والدين من قواعده نفي الحرج، ومن دلالة العلم ربط بعض الأشياء ببعضها حتى يفقه أن هذا الدين واحد، والله جل وعلا لا يفرق بين مثيلين، ولا يجمع بين نقيضين، وهذا من دلائل حكمة الدين.
فالإنسان يطلب منه إذا دخل المسجد أن يؤدي تحية المسجد، ولكن تحية المسجد في عرف كثير من الفقهاء مرفوعة عمن يكثر دخوله وخروجه من المسجد، كالحارس، ومن وكل إليه إصلاح شيء في المسجد، فهذا لا يطالب في كل دخول وخروج بأن يصلي تحية المسجد إذا كان خروجه متقارباً، ومثاله في واقعنا المعاصر الإخوة القائمون على الإفطار في المساجد، أو في الحرمين، الذين يخرجون من الباب كثيراً ليأتوا بطعام، أو ليقدموا ضيفاً، أو ليأتوا بصائم يريدون منه أن يفطر في سفرتهم، فلو طولبوا بالتحية في كل وقت وكان في ذلك حرج كبير.