للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر المسيرة التاريخية في الولاية الإسلامية]

وينبغي للمؤمن -خاصة من يتصدر لطلب العلم- أن يدرك التاريخ العام لأمته، وأن يكون لديه إلمام شامل بهذا الوعد الرباني.

فالناس اليوم بين حاضر مشهود ووعد منشود، وعد منشود يفتقدونه، وهو علو المسلمين، وواقع مشهود، وهو ما في الأمة من ضعف.

وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف، فاتفقت كلمة المهاجرين والأنصار على الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فساس الأمة عامين وأشهراً، واستخلف بعده عمر، فساس عمر الأمة، وفي عهده تم الكثير من الفتوحات، ثم مات رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأوصى أن تجعل الخلافة في ستة، وأشرك معهم عبد الله بن عمر على أن لا يكون له في الأمر شيء؛ لأنه كان أكبر أبنائه، فاختير عثمان، ثم قتل عثمان غدراً، فاستخلف أهل الحل والعقد في المدينة علياً، ثم قتل علي رضي الله تعالى عنه على يد الخوارج، وتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه بعد ذلك عن الخلافة لـ معاوية، فاجتمعت كلمة المسلمين على إمام واحد هو معاوية رضي الله عنه وأرضاه، وأسس معاوية الملك الأموي، وهو أول ملوك المسلمين في عهده تم كثير من الفتوحات، وجاء بعده يزيد بن معاوية ثم معاوية بن يزيد، ولم تكن له رغبة في الخلافة، ثم استخلف مروان بن الحكم، وقتل بعد ذلك على يد زوجته، فتفرق البيت الأموي بعده وآل الأمر إلى ابنه عبد الملك، والساسة والمؤرخون يعدونه المؤسس الثاني لدولة بني أمية.

وفي ولاية عبد الملك انتقلت الخلافة من الفرع السفياني إلى الفرع المرواني، وذلك لأن يزيد ومعاوية بن يزيد ينتسبان إلى معاوية رضي الله تعالى عنه، ابن أبي سفيان الذي هو من بني أمية، وأما مروان بن الحكم فليس من ذرية أبي سفيان، ولكنه من ذرية أمية بن عبد شمس.

وقد كان عبد الملك رأى أنه يبول في محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض رؤياه على سعيد بن المسيب، فأولها بأن أربعة من أبنائه يحكمون، فحكمهم بعده الوليد وسليمان، ثم انقطعت خلافتهم بولاية عمر بن عبد العزيز ابن أخيه، ثم عادت الخلافة إلى أبنائه يزيد ثم هشام، ثم تتابعت دولة بني أمية في تلك الفترة، واضطهد الأميون الموالي، واضطهدوا آل البيت كثيراً، فنشأ حنق في الناس عليهم، خاصة الموالي الذين دخلوا في الدين، وكان منهم علماء، وكان أكثرهم يسكن في خراسان.

فقامت الدعوة إلى ما يسمى من غير تحديد بالرضى من آل البيت، فقويت الدولة في خراسان، وخرج أبو مسلم الخراساني داعية لبني العباس في عهد مروان بن محمد الملقب بالحمار لصبره، وكان آخر خلفاء بني أمية، فسقطت دولة بني أمية.

وقامت بعدها دولة بني العباس، وأول خلفائهم أبو العباس السفاح، ثم كانت خلافة أبي جعفر المنصور، والعباسيون يتفاءلون بهذه الكنية، فأكثر خلفاء بني العباس كانوا يسمون الابن الأكبر جعفراً، والمهم أن أبا جعفر كان له صولة وجولة في خلافة بني العباس.

ثم تولى الهادي، وثم المهدي، ثم نشأ هارون، ثم كان من ذرية هارون من الخلفاء: الأمين والمأمون والمعتصم، ثم انحصرت الخلافة في ذرية المعتصم، ثم سقطت دولة بني العباس في أواسط القرن السابع.

ثم بعد ذلك ظهرت دول، فدولة المماليك كانت معاصرة لدولة بني العباس في آخرها في مصر، وكان المماليك أرقاء، ثم أعتقوا ثم سادوا، ولهم قضايا عديدة مع العز بن عبد السلام، ولهذا سمي العز بن عبد السلام بسلطان العلماء، لوقوفه في بعض القضايا الفقهية المتعلقة بحكم المماليك.

ثم كانت دولة آل عثمان التي بقيت قروناً، وفي الجانب الآخر في الأندلس خرج عبد الرحمن بن معاوية المعروف بـ عبد الرحمن الداخل، وهو من بني أمية، فر هارباً من الاضطهاد الذي أصاب بني أمية على يد بني العباس، وهناك أسس دولة إسلامية في الأندلس، ومكثت هذه الدولة قروناً طويلة، ثم انتقلت من حكم الأمويين إلى حكم ملوك الطوائف.

ثم ضعفت دولة بني عثمان وظهر الغرب، حصلت حروب عدة، منها الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ثم تسلط النصارى على دول الإسلام بعد أن أسقطت الخلافة على يد كمال أتاتورك، الملقب بـ أبي الأتراك، ثم حصلت معاهدة تسمى معاهدة (سايسبيكو) وهي عبارة عن اسمين لوزيرين للدول الكبرى، فتقاسموا العالم الإسلامي، ثم منّ الله جل وعلا على هذه الجزيرة بظهور الملك عبد العزيز رحمة الله تعالى عليه، فعاد ملكاً سابقاً لأجداده دعوة الإمامين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود.

وأما فلسطين فكانت تحت الاحتلال البريطاني، ثم خرجت كلمة من فم وزير الخارجية البريطاني بلفور وعد فيها بأن يمكن لليهود في فلسطين، فحصل ما حصل من قيام دولة إسرائيل، فأقيمت دولة إسرائيل عام (١٩٤٨)، ثم دخلت الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس عام (١٩٦٧م) في الاحتلال الإسرائيلي.

والأحوال المعاصرة لا يحتاج الكلام عنها؛ لأنها مشهودة معروفة، فهذا هو تاريخ الإسلام والدولة الإسلامية من حيث الجملة.