ذكر استدلال ابن عباس بالآية رداً على كذب المختار بن أبي عبيد
ويروى أن ابن عباس حبر الأمة رضي الله تعالى عنهما جاءه رجل بعد مقتل الحسين، وبعد مقتل الحسين حدث في الأمة فتن، لأن قتل الحسين ليس بالشيء اليسير، بل هو أمر جلل وخطب عظيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجل الحسين إجلالاً عظيماً، وقطع خطبته من أجل الحسن والحسين، ومع ذلك قتل الحسين ظلماً وعدواناً بلا شك.
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد متزملاً في دمائه تزميلا فكأنما بك يا ابن بنت محمد قتلوا جهاراً عامدين رسولاً قتلوك عطشاناً ولم يترقبوا في قتلك التنزيل والتأويلا ويكبرون بأن قتلت وإنما قتلوا بك التكبير والتهليلا وعندما تأتي مظلمة يتسلق في الحدث عشرات الناس، هذا يريد الحق، وهذا يريد الباطل.
فجاء رجل اسمه المختار بن أبي عبيد الثقفي، وأوهم الناس بأنه يدافع عن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ينتقم لقتلة الحسين، وما زال يشيع ذلك في الناس حتى زعم أنه يوحى إليه، حتى زاره بعض الناس وكان عنده وسادة، فكان ينظر إليه يريد أن يرمي له بالوسادة، فقال: والله لولا أن جبريل قام من عليها لأعطيتك إياها! يعني: أنها طاهرة مقدسة لا تصلح إلا للأنبياء.
فجاء رجل إلى ابن عباس وقال له: إن المختار بن أبي عبيد يزعم أنه يوحى إليه! فقال: صدق، فانتفض الرجل، فقال: أقول لك: إن المختار بن أبي عبيد يزعم أنه يأتيه الوحي؟! قال: صدق! الوحي -يا بني- وحيان: وحي رحمن ووحي شيطان، فوحي الرحمن على محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه من النبيين، ووحي الشيطان على المختار بن أبي عبيد وأمثاله، ثم تلا ما نحن فيه: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٢١].
فهذه الآية: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام:١٢١]، يحفظها كل من يحفظ سورة الأنعام، فـ ابن عباس حين قال له الرجل: إن المختار بن أبي عبيد الثقفي يزعم أنه يوحى إليه استحضر الآية مباشرة، وأجاب، فلما نفر الرجل وتعجب هدأ ابن عباس من روعه بالقرآن؛ لأن ابن عباس حبر الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد دعا له، فتلا الآية ليسكن الرجل ويقتنع بكلامه.
فالله تعالى يقول: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٢١]، وذلك لأنهم ذكروا قضية تحليل وتحريم سيأتي بيانها إن شاء الله في درس آخر.
وطاعة الناس في قضايا تحليل وتحريم إشراك بالله جل وعلا، فالتحليل والتحريم ليس لأحد غير الله.
فالمقصود أن المختار بن أبي عبيد فتن الناس في زمنه، وكان متزوجاً بنت النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله تعالى عنه، ثم إن مصعب بن الزبير لما هزم المختار بن أبي عبيد جاء إلى بيته فأمّن أهله ثم قتله، وكان ممن قُتل بنت النعمان بن بشير زوجة المختار بن أبي عبيد، ثم قُدر أن رجلاً يأتي فيقتل مصعب بن الزبير ويحمل رأسه إلى عبد الملك بن مروان، وعبد الملك بن مروان كان خليفة، وهناك أناس يتاجرون في الأحداث.
فعندما قتل مصعب بن الزبير جاء رجل وحمل رأس مصعب بن الزبير وقدمه هدية لـ عبد الملك بن مروان، وكان مصعب بن الزبير بالنسبة له خصماً ينافسه في الملك، فلما رأى رأس مصعب خر ساجداً، لأنه يبحث عن ملك.
وهذا الذي قتل مصعباً ما قتله حباً في عبد الملك بن مروان، فلما سجد عبد الملك بن مروان جاء في باله أن يقتل عبد الملك بن مروان، ليقول الناس: إنه قتل ملكي العرب في يوم واحد.
أفألقيتها في النار بكر بن وائل وألحقت من قد خر شكراً بصاحبه يعني: ألحقت هذا الذي يسجد بصاحبه الأول، فقام عبد الملك بن مروان من سجوده قبل أن يعزم هذا على ما خطر بباله.
والمقصود أن الفتنة إذا جاءت يأتي معها أناس كثيرون، فهذا يريد الإصلاح، وهذا يريد أن يتكسب، وهذا يريد أن ينتفع، وهذا لا يدري أين يرمي الله به.
فالعاقل لا يقبل أن يكون كلما ارتفعت راية متحمساً لها جارياً وراءها.
ولست مقاتلاً رجلاً يصلي على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعليّ إثمي معاذ الله من جهل وطيش وإذا أراد الله بعبد خيراً علمه السكينة والروية وتدبر القرآن، جعلني والله وإياكم من أهل ذلك.
هذا ما تهيأ إيراده، وأعاننا الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.