ثم يقول تعالى:{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ}[النور:٢٥].
ومحال أن يكون دين الكفار حقاً، فكلمة (دين) هنا معناها: الجزاء، فيصبح المعنى: يومئذ يوفيهم الله جزائهم الحق، وكيف يكون جزاؤهم حقاً؟ إن معاقبة المسيء على إساءته هي عين الحق، كما أن الإحسان إلى المحسن لإحسانه كذلك هو عين عين الحق.
ثم يقول تعالى:{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}[النور:٢٦].
وللعلماء فيها قولان: قول يقول: إنها في الأقوال.
وقول يقول: إنها في المشاكلة.
ومعنى أنها في الأقوال أن الخبيثات من الأقوال تليق بالخبيثين والخبيثات من الرجال، والطيبات من الجمل المادحة المعبرة تعبيراً حسناً تليق بالطيبين من الرجال والطيبات من النساء، وهذا قول الجمهور.
وقال آخرون: إن من سنن الله الإلهية الملاءمة بين كل متفق، فالخبيثات من النساء لا يلائمهن إلا الخبيثون من الرجال، والخبيث من الرجال لا تلائمه إلا الخبيثة من النساء، والطيبات من النساء لا يلائمهن إلا الطيبون من الرجال، والطيب من الرجال لا تلائمه إلا الطيبة من النساء.
وهذا المعنى عندي أقرب، ولكن يرد إشكال عند الناس منعهم من هذا القول، حيث يقولون: إنك ترى الآن امرأة صالحة صوامة قوامة محسنة إلى أولادها، وزوجها فيه من الخبث والشرور ما الله به عليم، بل ربما يتاجر في المخدرات، ويسعى في المسكرات، فيكف تقول: الطيبات للطيبين بهذا المعنى؟ ونقول: يجب أن تفرق، وإلا فهذا القول فيه نوع من المجازفة؛ لأني لا أعلم أحداً نص بهذا التعبير، فينبغي أن يفرق بين حياة المعايشة وحياة الملائمة، فالزوجات الطيبات الصالحات المقترنات بأزواج مرتكبين للكبائر لا يكون هناك تلائم روحي بينهم، وإنما المرأة هنا صابرة من أجل بنيها، أو تحتسب تغيير زوجها.
وإذا كان الرجل هو الطيب والمرأة هي السيئة فإنه يمنعه من طلاقها خوفه على أبنائه، ولا توجد ملائمة روحية.
أما ما كان ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فقد كان تآلفاً جماً وتلاؤماً تاماً، ومحبة قائمة بين الطرفين، ولهذا قيل له: من أحب الناس إليك فقال: عائشة فهذا الأمر يستبعد الإشكال القائم على أن الذي منعهم هو أن الواقع -وهو أعظم الشهود كما يقولون- يمنع أن يكون المعنى التلائم، وقلنا: يفرق بين التعايش وبين التلائم، وقد قال المتنبي: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً له ما من صداقته بد