[تفسير قوله تعالى:(ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ومن اهتدى)]
قال الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه:١٣٤]، هذه الآية تبين أن الحجة في بعث الرسل، وأنه لولا أن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لكان للناس حجة على ربهم، ولهذا قطع الله المعاذير، وأقام الله جل وعلا الحجج بإرساله للرسل وإنزاله للكتب.
قال تعالى:{لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه:١٣٤]، فطالبوا بالرسل قبل أن يقع عليهم الذل والخزي، وقد أرسل الله الرسل فلم يبق لهؤلاء القوم أي حجة.
ثم قال الله على لسان نبيه ليختم هذه السورة المباركة:{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}[طه:١٣٥]، هذه الآية من أعظم دلائل التوحيد، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام جعل نفسه ومن آمن معه مثل هؤلاء في الانتظار:{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ}[طه:١٣٥]، أنا وأنتم ننتظر، أنا وأنتم متحفز للنهاية، أنا وأنتم مترقب لما سيكون، ولا يترقب لما سيكون ويتحفز لما سيقع إلا من كان لا يملك من الأمر شيئاً، وإلا لو كان يملك من الأمر شيئاً لقضاه وانتهى، فأنت تدخل داراً أنت ورفقتك وليس مع أحدة منكم مفتاح، فكلكم مشتركون تنتظرون صاحب الإذن صاحب المفتاح ليدخلكم، ولو كان مع أحدكم مفتاح لفتح الباب وانتهى الأمر.
فهذا النبي يقول: أنا عبد مثلكم، أنا بشر مثلكم، أنا انتظر كما تنتظرون، وذلك حتى يبقى الكمال المطلق لله جل جلاله.
{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا}[طه:١٣٥]، فإذا انتظرتم وانتظرنا (فستعلمون) يقيناً {مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى}[طه:١٣٥]، ولا يفهم أن أصحاب الصراط السوي مغاير لمن اهتدى، فإن الله لا يتكلم عن فريقين، إنما يتكلم عن طريق وسالكين لذلك الطريق.
والمعنى: أحياناً يوجد طريق سالك صحيح مستقيم، ولا يوجد سالكون له، فالله جل وعلا يقول لهؤلاء الكفار على لسان نبيه: ستعلمون الطريق السوي الحقيقي الذي هو طريق الإيمان، والسالكين لهذا الطريق الحقيقي الذين هم أهل الإيمان، فـ (من) يعبر بها للعاقل، وإنما كسرت هنا ((وَمَنِ اهْتَدَى)) كسرت لالتقاء الساكنين؛ لأن الهمزة التي بعدها همزة وصل، والهاء ساكنة.
نعود فنقول: إن الله جل وعلا لا يتحدث عن فريقين، إنما يتحدث عن طريق ومن سلكه، وقد يأتي في أنفس الذين يقرءون القرآن -وهذا من ربط سور القرآن بعضها ببعض- قد يأتي في أنفسهم: متى ينتهي هذا التربص؟ إلى متى هذا الانتظار؟ متى سيكون؟ أسئلة ترد فستعلمون متى سوف نعلم؟ وقد ورد الجواب في أول سورة الأنبياء:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ}[الأنبياء:١]، هذا هو الجواب فليس ببعيد هذا التربص وهذا التحفز، ولهذا قال الله بعده في الأنبياء:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}[الأنبياء:١]، وهذا من التناسب ما بين سور القرآن الكريم.