[تفسير قوله تعالى:(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه)]
الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وتعالى على آلائه ونعمه، وأسأله جل وعلا المزيد من فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيتجدد في هذا اللقاء التعليق والتأويل لسورة البقرة فسطاط القرآن، وقد ذكرنا: أن هذه السورة المباركة سورة شملت الكثير من الأحكام والمعارف، وشتى ما يمكن أن يتعلق بحياة المسلمين في مجتمعهم المدني؛ ذلك أنها من أوائل السور التي أنزلت في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد مر معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام لما خاطب الأنصار يوم حنين أمر منادياً أن ينادي: يا أهل سورة البقرة؛ لأن الأنصار أهل المدينة الأولين كانوا لا يفخرون بشيء بعد إيمانهم أكثر من فخرهم بنزول هذه السورة بين ظهرانيهم في مدينتهم؛ فنسبت إليهم.
وانتهينا في اللقاءات الماضية إلى قوله جل وعلا:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:٣٧] وفتح باب التوبة من أعظم الدلائل وأجل القرائن على إرادة الله بعباده الرحمة؛ لأن الله لو لم يرد بعباده الرحمة لأقفل عليهم باب التوبة، لكن وقعت المعصية من آدم عندما استزله الشيطان فكان سماع آدم للشيطان وخضوعه لقوله في جزئية الأكل من الشجرة سبباً في خروجه منها، لكن الرحمن الرحيم تداركه برحمته، قال الله جل وعلا:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ}[البقرة:٣٧]، وفي هذا إشعار أن الله أراد أن يرحم هذا العبد الصالح، وقد ذكر الله جل وعلا في سورة طه أنه اجتباه وهداه وغفر له؛ ولذلك لا يقال في حق آدم: عاص على إطلاق، وإنما إذا أريد أن يتحدث أحد عن آدم عليه السلام يتحدث عنه باللفظ والمقدار الذي ذكره القرآن، الأدب معه من جهتين: من جهة أنه أب لنا، فقد نسبنا الله إليه:{يَا بَنِي آدَمَ}[الأعراف:٢٦].
والأعظم من ذلك أنه نبي، بل ونبي مكلم كما صح عن ذلك الخبر عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.
والله هنا لم يذكر ما هي الكلمات لكن العلماء قالوا: إن الكلمات هن اللواتي ذكرهن الله جل وعلا في سورة الأعراف: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا}[الأعراف:٢٣] وقول الله جل وعلا هنا: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ}[البقرة:٣٧] ليس فيه ذكر لحواء، لكن هي مندرجة معه، قال أهل العلم ونعم ما قالوا: إن المرأة مستورة لا تذكر إلا لحاجة، وهنا لم يذكر الله جل وعلا توبة حواء؛ لأنها تبع لآدم كما ذكره الله وحده في المعصية، فقال:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه:١٢١] ولم يذكر معصية حواء، وإن كانت القرائن تدل على أن آدم إنما أكل من الشجرة بمشورة من حواء، لكن المقصود أن المرأة حرمة مستورة كما قال القرطبي رحمه الله، فعلى هذا لم يذكرها الله لكن كون عدم ذكرها لفظاً لا يعني أبداً أن الله لم يقبل منها شيء، وهذا ما يدل عليه آية الأعراف:{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:٢٣].