للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم ممن خلقنا تفضيلاً)

ثم قال الله بعدها: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:٧٠].

يدل منطوق الآية على أمرين: الأول وهو ظاهر: أن الله جل وعلا فضل بني آدم على كثير من خلقه.

ويدل منطوق الآية في نفس الوقت: أن هناك خلائق لا يفضلها بنو آدم.

وفي المسألة نزاع، لكن تحرير الأمر فيها على وجه الإجمال ما يأتي: بنو آدم أفضل من الجن ومن سائر المخلوقات سوى الملائكة.

الأمر الثاني: عامة الملائكة أفضل من عموم بني آدم.

الثالث: صالحوا بني آدم قد يرقون إلى منزلة الملائكة.

الرابع: والأنبياء والمرسلون إلى بني آدم أفضل من عموم الملائكة، لكن هل هم أفضل من خواص الملائكة؟ وعندما نقول: خواص الملائكة ينصرف الأمر إلى جبريل، وإسرافيل، وميكائيل، فهل هم أفضل من خواص الملائكة؟ الأفضل: التوقف في المسألة لغياب الدليل الصريح الصحيح.

وقد أثبت الله هنا الكرامة لبني آدم، وهذه الكرامة لا يجوز حصرها في شيء واحد، ولكن أعظم ما كرم الله به بني آدم: العقل؛ لأنه مناط التكليف، ومن ذلك: العلم وإنزال الكتب وإرسال الرسل، هذا كله مما كرم الله جل وعلا به بني آدم.

{وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ} [الإسراء:٧٠]، على بهيمة الأنعام وأمثالها مما أفاء الله على أهل زماننا.

{وَالْبَحْرِ} [الإسراء:٧٠]، بأن سخر الله جل وعلا لهم الفلك.

{وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الإسراء:٧٠]، دلالة على فضل الله جل وعلا، والآية ظاهرة واحدة.

{وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:٧٠]، لغوياً ننيخ المطايا عن كلمة (كثير) باحثين عن معناها؛ فبعض العلماء يراها على ظاهرها، وهو الذي حررناه وأخذنا المفهوم منه وقلنا: إن ظاهر الآية: أن هناك خلائق لا يفضلها بنو آدم.

وبعض العلماء يقول: كثير هنا بمعنى: كل، ومن زعم قولاً لزمه الدليل، ودليلهم، هو أن كلمة قليل جاءت بمعنى العدم، فكذلك كلمة كثير تأتي بمعنى الكل، يقول الله جل وعلا: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:٨٨]، قالوا: إن المقصود انعدام إيمانهم بالكلية.

وأصحاب هذا القول يقولون: كما جاءت كلمة قليل بمعنى العدم، فكلمة كثير هنا تعني الكل.

وعلى هذا القول لا حاجة لما حررناه آنفاً من قضايا التفضيل، لكن هذا القول بعيد وإنما ذكرناه لوجوده في طيات الكتب.