للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير)]

نعود للآيات قال الله تبارك وتعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:٢٢٠]، ثم قال ربنا: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٢١].

كما فعلنا في اللقاء الماضي نزدلف عن النكاح عموماً ثم نفصّل في الآيات في اللقاء القادم، النكاح فطرة جعلها الله في قلوب الناس، وهو سنة عظيمة من سنن الأنبياء، وقد تزوج الأنبياء وتزوج نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو من أعظم المباحات، وأهل الصناعة الفقهية يقولون: إن النكاح تجري عليه الأحكام التكليفية الخمسة، فيكون واجباً في أحوال، ومكروهاً في أحوال، ومندوباً في أحوال، ومباحاً في أحوال، ومحرماً في أحوال، وهذا اجتهاد فقهي منهم، لكن من حيث الجملة هو من أعظم المباحات، قالت العرب: سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام فإن كان النكاح أحل شيء فإن نكاحها مطراً حرام فطلقها فلست لها بكفء وإلا يعلو مفرقك الحسام فهذه الأبيات فيها عدة شواهد نحوية لكن الذي يعنينا هنا قوله: فإن كان النكاح أحل شيء فإن نكاحها مطراً حرام فالنكاح سنة فطر الله جل وعلا عباده عليها، قال صلى الله عليه وسلم: (النكاح من سنتي)، وما تشرئّب إليه أعين الرجال من النساء شيء يطول ذكره، ولا نجد له ضابطاً والنبي صلى الله عليه وسلم حدد أربعة معايير، فقال: (تنكح المرأة لجمالها) وهذا سبب عظيم، وقال: (تنكح لحسبها)، وقال: (تنكح لمالها)، وقال: (تنكح لدينها)، ثم أوصى فقال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك).

قلت: هذا الكلام يطول، وهو تمهيد للقاء قادم لكن من حيث الجملة لا يمكن جمع الناس على شيء واحد، والأعين المشاهدة تختلف، فقد يزين في عين زيد ما لا يزين في عين عمرو، وأحدهم يقول: تعلقتها شمطاء شاب وليدها وللناس فيما يعشقون مذاهب يعني: لا يستطيع أن يلومني أحد على هذا الحال، ولو علمت أخبار عشاق العرب قديماً لعرفت أن من تعلقوا بهن من النساء لم يكنّ أجمل أهل زمانهم، لكن زينها الله جل وعلا في عينيه؛ وهذا أمر يجب التسليم به، وقد لا يقع من المرأة تسليم هي منها لذلك الآخر وإن كان أعظم، قال المجنون: فيا رب إن صيرت ليلى هي المنى فزني بعينيها كما زينتها ليا وفي الخبر الصحيح أن مغيثاً كان يجري وراء بريرة، فكان قد امتلأ قلبه حباً لها وفتنة وإعجاباً بها، وهي لم تكن ترغب منه في شيء، فلما كلمها فيه النبي صلى الله عليه وسلم قالت: هل أنت شفيع أم هذا أمر لا أستطيع رده؟ فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنه شفيع، فقالت وهي صحابية: لا حاجة لي به، فهو كان يمشي وراءها كما يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الأسواق ويبكي، فهذه أمور بقدر الله، لكن عموماً النكاح من أعظم المباحات، فبه يكثر سواد الأمة، ويُغض البصر، ويُحفظ الفرج، وسيأتي في اللقاء القادم التفصيل لقول الله جل وعلا: {وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:٢٢١].

هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين