قال الله جل وعلا بعدها:{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}[الكهف:٩٩] ذهب بعض المفسرين أو أكثر المفسرين على أن المقصود: الناس جميعاً في قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}[الكهف:٩٩]، لكننا نقول -والعلم عند الله-: إننا نرى أن هذا مخالفاً للصواب؛ لأن كلمة (يومئذٍ) عائدة لقول ذي القرنين: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي}[الكهف:٩٨] عائدة عليها، يعني: يومئذ عائدة لليوم الذي يجعل فيه ذلك الردم دكاء، وليست عائدة لقيام الساعة وحشر العباد، والدليل على أنها ليست عائدة على قيام الساعة وحشر العباد أن الله قال بعدها:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}[الكهف:٩٩]، والواو تقتضي الترتيب وهي عاطفة والعطف يقتضي المغايرة بصورة أولية، فلا يمكن أن يكون المعنى شيئاً واحداً.
لكننا نقول:{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ}[الكهف:٩٩] المقصود: قبائل يأجوج ومأجوج، {يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}[الكهف:٩٩] أي: من كثرتهم يموج بعضهم في بعض، والموج الاختلاط بين الأشياء، والاضطراب يكون على غير نظام، ويؤيد هذا ما ورد في الأحاديث الصحيحة في خبر يأجوج ومأجوج أن أولهم يشرب بحيرة طبريا فيأتي آخرهم فيقول: قد كان ها هنا ماء، ولكثرتهم يموج بعضهم في بعض، فليس المقصود الناس جميعاً وإن قال: ذلك أفاضل من العلماء.
ثم قال الله:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}[الكهف:٩٩] على كثرة ما ورد في القرآن من ذكر النفخ في الصور إلا أن الله جل وعلا لم يذكر في القرآن قط اسم الملك الذي سينفخ في الصور، فكلها جاءت بالبناء للمجهول لكنه اشتهر بين العلماء بدلالة السنة من وجه أو آخر على أن الذي ينفخ في الصور هو الملك إسرافيل عليه السلام، والمستقر عند العلماء أن رءوساء الملائكة أربعة منهم: إسرافيل عليه السلام، وأنه قد التقم الصور، يعني: ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ، كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.
قال الله:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}[الكهف:٩٩] وهذه يقيناً أنها النفخة الثانية؛ لأن النفخة الأولى ليس بعدها جمع وإنما يكون بعدها الصعق ثم يكون بعدها أربعون الله أعلم إن كانت أياماً أو سنيناً أو شهراً، ثم يكون بعد ذلك بعث الخلائق من جديد.
قال الله:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}[الكهف:٩٩] وهذه تعود على الجميع؛ على كل من خلقه الله، فإنه يجمع يوم القيامة.