تفسير قوله تعالى:(وأما الغلام فكان أبواه وأقرب رحماً)
قال:{وَأَمَّا الْغُلامُ}[الكهف:٨٠] أي: شأن الغلام الذي أنكرت علي أن أقتله، {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}[الكهف:٨٠]، والأبوان هنا: أبوه وأمه، وهذا على جريان كلام العرب في التغليب، ولغة القرآن:{كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}[الأعراف:٢٧].
{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}[الكهف:٨٠]، أي: أنه سبق في علم الله وقدره أن هذا الولد لو نشأ وعاش سيكون كافراً، ويخشى من طغيانه وكفره، مع تعلق والديه به أن يكون سبباً في كفر والديه، فلئن يفقد الولد في الصغر خير لهما من أن يبقى الولد ويحيا ويموتان على الكفر، فخيرة الله لعبده خير من خيرة العبد لنفسه، وكم من أمور حجبها الله جل وعلا عنا وبقيت في قلوبنا بعض علامات الحزن والأسف عليها ولو فتح لنا الغيب لسجدنا شكراً على أن الله حجبها عنا، ولذلك من أرفع مقامات الصالحين الرضا بقضاء الله وقدره، قال الله جل وعلا على لسان العبد الصالح:{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر:٤٤]، وتقول أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج من بيتها إلا ويرفع رأسه إلى السماء ويقول: (آمنت بالله، واعتصمت بالله، وتوكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أن أظلم أو أن أظلم، أو أن أجهل أو أن يجهل علي)، والعبد الصالح هو من أوكل إلى الله جل وعلا أمره، واستعان بالله تبارك وتعالى، ورضي بقضاء الله وقدره، ولا يمسي إلا وهو راض كل الرضا عن ربه، بصرف النظر عما أتاه، أو عما لم يأته، فما كان لك سيأتيك على ضعفك، وما لم يكن لك لن تناله بقوتك.
{فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}[الكهف:٨١] أي يعوضهما الله، ومعنى الآية إجمالاً: بمن هو أقرب زكاة ورحماً لهما، ولا يكون سبباً في كفرهما ولا في تجاوزهما للحدود، مع الرب تبارك وتعالى، هذه المسألة الثانية.