ثم قال العلي الكبير:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:١٨٦].
فالله تبارك وتعالى قريب في علوه، وعلي في دنوه، وهذه العبارة قالها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي من أجمل ما نقل عنه عند الكلام على باب الأسماء والصفات.
فما ذكره جل وعلا من علوه وفوقيته لا يتنافى مع ما ذكره جل وعلا من قربه ومعيته.
وقال الصحابة رضي الله عنهم -فيما ورد عنهم في سبب نزول هذه الآية-: يا نبي الله! أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله جل وعلا قوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي}[البقرة:١٨٦] فأضافهم إليه إضافة تشريف، ولم يقل فقل لهم، وإنما اختصرت الطرائق اللفظية؛ لتبين لك اختصار الطرائق المعنوية، قال الله جل وعلا:{فَإِنِّي قَرِيبٌ}[البقرة:١٨٦] ولم يأت في القرآن جواباً بالسؤال هكذا إلا في هذا الموضع.
ثم قال سبحانه:{فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:١٨٦]، وهنا لا بد من تحرير وجه الخلاف في المعنى ما بين الاستجابة والإيمان، فنقول: هما متلازمان، فلا استجابة إلا بإيمان، والإيمان يدل على الاستجابة، لكن من حيث التحرير اللفظي الاستجابة تتعلق بالجوارح، والإيمان يتعلق بالقلوب.
ثم قال الله:{لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة:١٨٦] ولا ريب أن الاستجابة لأمر الله مع الإيمان به جل وعلا ودعائه هو منتهى الرشد، فلا حصول للرشد الحق إلا بالإيمان به جل وعلا، واستجابة الجوارح لأوامره ونواهيه، مع دعائه تبارك وتعالى.
والآية ظاهرة المعنى في فضل الدعاء والثناء على الرب تبارك وتعالى، وهذا قد بسطنا القول فيه كثيراً في أكثر من موضع.