فَقَدِمَ سَعِيدٌ الْكُوفَةَ فِي خِلافَةِ عُثْمَانَ أَمِيرًا، وَخَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكَّةَ- أَوِ الْمَدِينَةِ- الأَشْتَرُ وَأَبُو خُشَّةَ الْغِفَارِيُّ وَجُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو مُصْعَبِ بْنُ جَثَّامَةَ- وَكَانُوا فِيمَنْ شَخِصَ مَعَ الْوَلِيدِ يَعِيبُونَهُ، فَرَجَعُوا مَعَ هَذَا- فَصَعِدَ سَعِيدٌ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ وَإِنِّي لَكَارِهٌ، وَلَكِنِّي لَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ أُمِرْتُ أَنْ آتَمِرَ إِلا أَنَّ الْفِتْنَةَ قَدْ أَطْلَعَتْ خَطْمَهَا وَعَيْنَيْهَا، وو الله لأَضْرِبَنَّ وَجْهَهَا حَتَّى أَقْمَعَهَا أَوْ تُعْيِينِي، وَإِنِّي لَرَائِدٌ نَفْسِي الْيَوْمَ وَنَزَلَ.
وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَأُقِيمَ عَلَى حَالِ أَهْلِهَا.
فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بِالَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدِ اضَطَرَبَ أَمْرُهُمْ، وَغَلَبَ أَهْلُ الشَّرَفِ مِنْهُمْ وَالْبُيُوتَاتِ وَالسَّابِقَةِ وَالْقِدْمَةِ، وَالْغَالِبُ عَلَى تِلْكَ الْبِلادِ رَوَادِفٌ رَدِفَتْ، وَأَعْرَابٌ لَحِقَتْ، حَتَّى مَا يُنْظَرُ إِلَى ذِي شَرَفٍ وَلا بَلاءٍ مِنْ نَازِلَتِهَا وَلا نَابِتَتِهَا.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: أَمَّا بَعْدُ، فَفَضِّلْ أَهْلَ السَّابِقَةِ وَالْقِدْمَةِ مِمَّنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْبِلادِ، وَلْيَكُنْ مَنْ نَزَلَهَا بِسَبَبِهِمْ تَبِعًا لَهُمْ، إِلا أَنْ يَكُونُوا تَثَاقَلُوا عَنِ الْحَقِّ، وَتَرَكُوا الْقِيَامَ بِهِ وَقَامَ بِهِ هَؤُلاءِ وَاحْفَظْ لِكُلٍّ مَنْزِلَتَهُ، وَأَعْطِهِمْ جَمِيعًا بِقِسْطِهِمْ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالنَّاسِ بِهَا يُصَابُ الْعَدْلُ.
فأرسل سعيدا إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الأَيَّامِ وَالْقَادِسِيَّةِ، فَقَالَ: أَنْتُمْ وُجُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ، وَالْوَجْهُ يُنْبِئُ عَنِ الْجَسَدِ، فَأَبْلِغُونَا حَاجَةَ ذِي الْحَاجَةِ وَخُلَّةَ ذِي الْخُلَّةِ وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ مَنْ يَحْتَمِلُ مِنَ اللَّوَاحِقِ وَالرَّوَادِفِ، وَخَلَصَ بِالْقُرَّاءِ وَالْمُتَسَمِّتِينَ فِي سَمَرِهِ، فَكَأَنَّمَا كَانَتِ الْكُوفَةُ يَبْسًا شَمِلَتْهُ نَارٌ، فَانْقَطَعَ إِلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ ضَرْبُهُمْ، وَفَشَتِ الْقَالَةُ وَالإِذَاعَةُ فَكَتَبَ سَعِيدٌ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ، فَنَادَى مُنَادِي عُثْمَانَ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ! فَاجْتَمَعُوا، فَأَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي كَتَبَ بِهِ إِلَى سَعِيدٍ، وَبِالَّذِي كَتَبَ بِهِ إِلَيْهِ فِيهِمْ، وَبِالَّذِي جَاءَهُ مِنَ الْقَالَةِ وَالإِذَاعَةِ، فَقَالُوا: اصبت فلا تسعفهم في ذلك، ولا تطعمهم فِيمَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ، فَإِنَّهُ إِذَا نَهَضَ فِي الأُمُورِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ لَمْ يحتملها وأفسدها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute