مَرْوَانُ أَسْفَلَ رِجْلَيْهِ، وَضَرَبَهُ الآخَرُ عَلَى أَصْلِ الْعُنُقِ فَقَلَبَهُ، فَانْكَبَّ مَرْوَانُ، وَاسْتَلْقَى، فَاجْتَرَّ هَذَا أَصْحَابَهُ، وَاجْتَرَّ الآخَرُ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ الْمِصْرِيُّونَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنْ تَكُونُوا حُجَّةً عَلَيْنَا فِي الأُمَّةِ لَقَدْ قَتَلْنَاكُمْ بَعْدَ تَحْذِيرٍ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ:
مَنْ يُبَارِزُ؟ فَبَرَزَ لَهُ رَجُلٌ فَاجْتَلَدَ، وَهُوَ يَقُولُ:
أَضْرِبُهُمْ بِالْيَابِسِ ... ضَرْبَ غُلامٍ بَائِسِ
مِنَ الْحَيَاةِ آيِسِ.
فَأَجَابَهُ صَاحِبُهُ وَقَالَ النَّاسُ: قُتِلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ الأَخْنَسِ، فَقَالَ الَّذِي قَتَلَهُ: إِنَّا لِلَّهِ! فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ: مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي أُتِيتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، فَقِيلَ لِي: بَشِّرْ قَاتِلَ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَخْنَسِ بِالنَّارِ، فَابْتُلِيتُ بِهِ، وَقَتَلَ قُبَاثٌ الْكِنَانِيُّ نِيَارَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَسْلَمِيَّ، وَاقْتَحَمَ النَّاسُ الدَّارَ مِنَ الدُّورِ الَّتِي حَوْلَهَا حَتَّى مَلَئُوهَا وَلا يَشْعُرُ الَّذِينَ بِالْبَابِ، وَأَقْبَلَتِ الْقَبَائِلُ عَلَى أَبْنَائِهِمْ، فَذَهَبُوا بِهِمْ إِذْ غُلِبُوا عَلَى أَمِيرِهِمْ، وَنَدَبُوا رَجُلا لِقَتْلِهِ، فَانْتُدِبَ لَهُ رَجُلٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَ، فَقَالَ: اخْلَعْهَا وَنَدَعَكَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ امْرَأَةً فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إِسْلامٍ، وَلا تَغَنَّيْتُ وَلا تَمَنَّيْتُ، وَلا وَضَعْتُ يَمِينِي عَلَى عَوْرَتِي مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص، وَلَسْتُ خَالِعًا قَمِيصًا كَسَانِيهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَا عَلَى مَكَانِي حَتَّى يُكْرِمَ اللَّهُ أَهْلَ السَّعَادَةِ، وَيُهِينَ أَهْلَ الشَّقَاءِ فَخَرَجَ وَقَالُوا: مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: علقنا وَاللَّهِ، وَاللَّهِ مَا يُنْجِينَا مِنَ النَّاسِ إِلا قَتْلُهُ، وَمَا يَحِلُّ لَنَا قَتْلُهُ، فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ بَنِي لَيْثٍ، فَقَالَ:
مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَقَالَ: لَيْثِيٌّ، فَقَالَ: لَسْتَ بِصَاحِبِي، قَالَ: وَكَيْفَ؟ فَقَالَ:
أَلَسْتَ الَّذِي دَعَا لك النبي ص فِي نَفَرٍ أَنْ تَحْفَظُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَلَنْ تُضَيِّعَ، فَرَجَعَ وَفَارَقَ الْقَوْمَ، فَأَدْخَلُوا عَلَيْهِ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، إِنِّي قَاتِلُكَ، قَالَ: كَلا يَا فُلانُ، لا تَقْتُلْنِي، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: إِنَّ رسول الله ص اسْتَغْفَرَ لَكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَلَنْ تُقَارِفَ دَمًا حَرَامًا فَاسْتَغْفَرَ وَرَجَعَ، وَفَارَقَ أَصْحَابَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute