فِي أَثَرِكَ لا تَجِدُ غَيْرَكَ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَإِنَّ فِي بَنِي أُمَيَّةَ مَنْ يَسْتَحْسِنُونَ الطَّلَبَ بِأَنْ يُلْزِمُوكَ شُعْبَةً مِنْ هَذَا الأَمْرِ، وَيُشَبِّهُونَ عَلَى النَّاسِ، وَيَطْلُبُونَ مِثْلَ مَا طَلَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَلا تَقْدِرُ عَلَى مَا يُرِيدُونَ وَلا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَارَتِ الأُمُورُ إِلَيْهِمْ حَتَّى يَصِيرُوا فِي ذَلِكَ أَمْوَتَ لِحُقُوقِهِمْ، وَأَتْرَكُ لَهَا إِلا مَا يُعَجِّلُونَ مِنَ الشُّبْهَةِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: نَصَحْتُهُ وَاللَّهِ، فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ غَشَشْتُهُ وَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ حَتَّى لَحِقَ بِمَكَّةَ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، عَنِ ابْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَعَانِي عُثْمَانُ فَاسْتَعْمَلَنِي عَلَى الْحَجِّ، فَخَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَمْتُ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ كِتَابَ عُثْمَانَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ بُويِعَ لِعَلِيٍّ، فَأَتَيْتُهُ فِي دَارِهِ فَوَجَدْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ مُسْتَخْلِيًا بِهِ، فَحَبَسَنِي حَتَّى خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقُلْتُ: مَاذَا قَالَ لَكَ هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ لِي قَبْلَ مَرَّتِهِ هَذِهِ: أَرْسِلْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ وَإِلَى مُعَاوِيَةَ وَإِلَى عُمَّالِ عُثْمَانَ بِعُهُودِهِمْ تُقِرُّهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَيُبَايِعُونَ لَكَ النَّاسَ، فَإِنَّهُمْ يُهَدِّئُونَ الْبِلادَ وَيُسَكِّنُونَ النَّاسَ، فَأَبَيْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ وَقُلْتُ: [وَاللَّهِ لَوْ كَانَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لاجْتَهَدْتُ فِيهَا رَأْيِي، وَلا وَلَّيْتُ هَؤُلاءِ وَلا مِثْلَهُمْ يُوَلَّى] قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِي وَأَنَا أَعْرِفُ فِيهِ أَنَّهُ يَرَى أَنِّي مُخْطِئٌ، ثُمَّ عَادَ إِلَيَّ الآنَ فَقَالَ: إِنِّي أَشَرْتُ عَلَيْكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِالَّذِي أَشَرْتُ عَلَيْكَ وَخَالَفْتَنِي فِيهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ رَأْيًا، وَأَنَا أَرَى أَنْ تَصْنَعَ الَّذِي رَأَيْتُ فَتَنْزَعَهُمْ وَتَسْتَعِينَ بِمَنْ تَثِقُ بِهِ، فَقَدْ كَفَى اللَّهُ، وَهُمْ أَهْوَنُ شَوْكَةً مِمَّا كَانَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَمَّا الْمَرَّةُ الأُولَى فَقَدْ نَصَحَكَ، وَأَمَّا الْمَرَّةُ الآخِرَةُ فَقَدْ غَشَّكَ، قَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَلِمَ نَصَحَنِي؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ أَهْلَ دُنْيَا، فَمَتَى تُثْبِتْهُمْ لا يُبَالُوا بِمَنْ وُلِّيَ هَذَا الأَمْرَ، وَمَتَى تَعْزِلْهُمْ يَقُولُوا:
أَخَذَ هَذَا الأَمْرَ بِغَيْرِ شُورَى، وَهُوَ قَتَلَ صَاحِبَنَا، وَيُؤَلِّبُونَ عَلَيْكَ فَيُنْتَقَضُ عَلَيْكَ أَهْلَ الشَّامِ وَأَهْلَ الْعِرَاقِ، مَعَ أَنِّي لا آمَنُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ أَنْ يكرا عليك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute