قَالَ: ائت هَؤُلاءِ القوم فقل لَهُمْ: أين فراركم من الموت الَّذِي لن تعجزوه، إِلَى الحياة الَّتِي لن تبقى لكم! فمضى فاستقبل الناس منهزمين، فَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ الكلمات الَّتِي قالها لَهُ علي] وَقَالَ: إلي أَيُّهَا النَّاسُ، أنا مالك بن الْحَارِث، أنا مالك بن الْحَارِث، ثُمَّ ظن أنه بالأشتر أعرف فِي الناس، فَقَالَ: أنا الأَشْتَر، إلي أَيُّهَا النَّاسُ فأقبلت إِلَيْهِ طائفة، وذهبت عنه طائفة، فنادى:
أَيُّهَا النَّاسُ، عضضتم بهن آبائكم! مَا أقبح مَا قاتلتم منذ الْيَوْم! أَيُّهَا النَّاسُ، أخلصوا إلي مذحجا، فأقبلت إِلَيْهِ مذحج، فَقَالَ: عضضتم بصم الجندل! مَا أرضيتم ربكم، وَلا نصحتم لَهُ فِي عدوكم، وكيف بِذَلِكَ وَأَنْتُمْ أبناء الحروب، وأَصْحَاب الغارات، وفتيان الصباح، وفرسان الطراد، وحتوف الأقران، ومذحج الطعان، الَّذِينَ لم يكونوا يسبقون بثأرهم، وَلا تطل دماؤهم، وَلا يعرفون فِي موطن بخسف، وَأَنْتُمْ حد أهل مصركم، وأعد حي فِي قومكم، وما تفعلوا فِي هَذَا الْيَوْم، فإنه مأثور بعد الْيَوْم، فاتقوا مأثور الأحاديث فِي غد، واصدقوا عدوكم اللقاء فإن اللَّه مع الصادقين والذي نفس مالك بيده مَا من هَؤُلاءِ- وأشار بيده إِلَى أهل الشام- رجل عَلَى مثال جناح بعوضة من محمد ص أنتم ما احسنتم القراع، اجلوا سواد وجهي يرجع فِي وجهي دمي.
عَلَيْكُمْ بهذا السواد الأعظم، فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لو قَدْ فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدمه قَالُوا: خذ بنا حَيْثُ أحببت وصمد نحو عظمهم فِيمَا يلي الميمنة، فأخذ يزحف إِلَيْهِم، ويردهم، ويستقبله شباب من همدان- وكانوا ثمانمائه مقاتل يَوْمَئِذٍ- وَقَدِ انهزموا آخر الناس، وكانوا قَدْ صبروا فِي الميمنة حَتَّى أصيب مِنْهُمْ ثمانون ومائة رجل، وقتل مِنْهُمْ أحد عشر رئيسا، كلما قتل مِنْهُمْ رجل أخذ الراية آخر، فكان الأول كُرَيْب بن شريح، ثُمَّ شرحبيل ابن شريح، ثُمَّ مرثد بن شريح، ثُمَّ هبيرة بن شريح، ثُمَّ يريم بن شريح،