فلحقهم بالجسر الاكبر، فتوافقوا حَتَّى حجز بينهم الليل، وأدلج مسعر بأَصْحَابه، وأقبل يعترض الناس وعلى مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني، وسار حَتَّى لحق بعبد اللَّه بن وهب بالنهر فلما خرجت الخوارج وهرب أَبُو مُوسَى إِلَى مكة، ورد علي ابن عَبَّاس إِلَى الْبَصْرَة، قام فِي الْكُوفَة فخطبهم فَقَالَ: الحمد لِلَّهِ وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدثان الجليل، وأشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، أَمَّا بَعْدُ، فإن المعصية تورث الحسرة، وتعقب الندم، وَقَدْ كنت أمرتكم فِي هَذَيْنِ الرجلين وفي هَذِهِ الحكومة أمري، ونحلتكم رأيي، لو كَانَ لقصير أمر! ولكن أبيتم إلا مَا أردتم، فكنت أنا وَأَنْتُمْ كما قَالَ أخو هوازن:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
أَلا إن هَذَيْنِ الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قَدْ نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا مَا أمات القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من اللَّه، فحكما بغير حجة بينة، وَلا سنة ماضية، واختلفا فِي حكمهما، وكلاهما لم يرشد، فبرئ اللَّه منهما ورسوله وصالح الْمُؤْمِنِينَ.
استعدوا وتأهبوا للمسير إِلَى الشام، وأصبحوا فِي معسكركم إِنْ شَاءَ اللَّهُ يوم الاثنين ثُمَّ نزل وكتب إِلَى الخوارج بالنهر: بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عَبْد اللَّه علي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى زَيْد بن حصين وعبد اللَّه بن وهب ومن مَعَهُمَا مِنَ النَّاسِ.
أَمَّا بَعْدُ، فإن هَذَيْنِ الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قَدْ خالفا كتاب اللَّه، واتبعا أهواءهما بغير هدى من اللَّه، فلم يعملا بالسنة، ولم ينفذا للقرآن حكما، فبرئ اللَّه ورسوله منهما والمؤمنون! فإذا بلغكم كتابي هَذَا فأقبلوا فإنا سائرون إِلَى عدونا وعدوكم، ونحن عَلَى الأمر الأول الذى كنا ع