فحرك رايته تحريكتين، فو الله مَا صبروا لنا ساعة حَتَّى ولوا، وشدخنا مِنْهُمْ سبعين عربيا من بني ناجية، ومن بعض من اتبعهم من العرب، وقتلنا نحوا من ثلاثمائة من العلوج والأكراد قَالَ كعب بن فقيم: ونظرت فيمن قتل من العرب، فإذا أنا بصديقي مدرك بن الريان قتيلا، وخرج الخريت ابن راشد وَهُوَ منهزم حَتَّى لحق بأسياف البحر، وبها جماعة من قومه كثير، فما زال بهم يسير فِيهِمْ ويدعوهم إِلَى خلاف علي، ويبين لَهُمْ فراقه، ويخبرهم أن الهدى فِي حربه، حَتَّى اتبعه مِنْهُمْ ناس كثير، وأقام معقل بن قيس بأرض الأهواز، وكتب إِلَى علي معي بالفتح، وكنت أنا الَّذِي قدمت عَلَيْهِ، فكتب إِلَيْهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لعبد اللَّه علي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، من معقل بن قيس سلام عَلَيْك، فإني أحمد إليك اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فإنا لقينا المارقين، وَقَدِ استظهروا علينا بالمشركين، فقتلناهم قتل عاد وإرم، مع أنا لم نعد فِيهِمْ سيرتك، ولم نقتل من المارقين مدبرا ولا أسيرا، ولم نذفف مِنْهُمْ عَلَى جريح، وَقَدْ نصرك اللَّه والمسلمين، والحمد لِلَّهِ رب العالمين.
قَالَ: فقدمت عَلَيْهِ بهذا الكتاب، فقرأه عَلَى أَصْحَابه، واستشارهم فِي الرأي، فاجتمع رأي عامتهم عَلَى قول واحد، فَقَالُوا لَهُ: نرى أن تكتب إِلَى معقل ابن قيس فيتبع أثر الفاسق، فلا يزال فِي طلبه حَتَّى يقتله أو ينفيه، فإنا لا نأمن أن يفسد عَلَيْك الناس قَالَ: فردني إِلَيْهِ، وكتب معي:
أَمَّا بَعْدُ، فالحمد لِلَّهِ عَلَى تأييد أوليائه، وخذلان أعدائه، جزاك اللَّه والمسلمين خيرا، فقد أحسنتم البلاء، وقضيتم مَا عَلَيْكُمْ، وسل عن أخي بني ناجية، فإن بلغك أنه قَدِ استقر ببلد من البلدان فسر إِلَيْهِ حَتَّى تقتله أو تنفيه، فإنه لن يزال لِلْمُسْلِمِينَ عدوا، وللقاسطين وليا، مَا بقي، والسلام عَلَيْك.
فسأل معقل عن مستقره، والمكان الَّذِي انتهى إِلَيْهِ، فنبئ بمكانه بالأسياف، وأنه قَدْ رد قومه عن طاعة علي، وأفسد من قبله من عبد القيس ومن والاهم من سائر العرب، وَكَانَ قومه قَدْ منعوا الصدقة عام صفين ومنعوها