قَالَ: دعاني مصقلة إِلَى رحله فقدم عشاؤه، فطعمنا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ إن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يسألني هَذَا المال، وَلا أقدر عَلَيْهِ، فقلت: وَاللَّهِ لو شئت مَا مضت عَلَيْك جمعة حَتَّى تجمع جميع المال، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كنت لأحملها قومي، وَلا أطلب فِيهَا إِلَى أحد ثُمَّ قَالَ: أما وَاللَّهِ لو أن ابن هند هُوَ طالبني بِهَا أو ابن عفان لتركها لي، ألم تر إِلَى ابن عفان حَيْثُ أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مائة ألف فِي كل سنة! فقلت لَهُ: إن هَذَا لا يرى هَذَا الرأي، لا وَاللَّهِ مَا هُوَ بباذل شَيْئًا كنت أخذته، فسكت ساعة، وسكت عنه، [فلا وَاللَّهِ مَا مكث إلا ليلة واحدة بعد هَذَا الكلام حَتَّى لحق بمعاوية وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ: ما له برحه اللَّه، فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر! أما وَاللَّهِ لو أنه أقام فعجز مَا زدنا عَلَى حبسه، فإن وجدنا لَهُ شَيْئًا أخذناه، وإن لم نقدر عَلَى مال تركناه] ثُمَّ سار إِلَى داره فنقضها وهدمها، وَكَانَ أخوه نعيم بن هبيرة شيعيا، ولعلي مناصحا، فكتب إِلَيْهِ مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال لَهُ حلوان:
أَمَّا بَعْدُ، فإني كلمت مُعَاوِيَة فيك، فوعدك الإمارة، ومناك الكرامة، فأقبل إلي ساعة يلقاك رسولي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، والسلام.
فأخذه مالك بن كعب الأرحبي، فسرح بِهِ إِلَى علي، فأخذ كتابه فقرأه، فقطع يد النصراني، فمات، وكتب نعيم إِلَى أخيه مصقلة:
لا ترمين هداك اللَّه معترضا ... بالظن مِنْكَ فما بالي وحلوانا!
ذاك الحريص عَلَى مَا نال من طمع ... وَهْوَ البعيد فلا يحزنك إذ خانا