حَتَّى تقحمت أمرا كنت تكرهه ... للراكبين لَهُ سرا وإعلانا
لو كنت أديت مَا للقوم مصطبرا ... للحق أحييت أحيانا وموتانا
لكن لحقت باهل الشام ملتمسا ... فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا
فاليوم تقرع سن الغرم من ندم ... ماذا تقول وَقَدْ كَانَ الَّذِي كانا!
أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة ... لم يرفع اللَّه بالبغضاء إنسانا
فلما وقع الكتاب إِلَيْهِ علم أن رسوله قَدْ هلك، ولم يلبث التغلبيون إلا قليلا حَتَّى بلغهم هلاك صاحبهم حلوان، فأتوا مصقلة فَقَالُوا: إنك بعثت صاحبنا فأهلكته، فإما أن تحييه وإما أن تديه، فَقَالَ: أما أن أحييه فلا استطيع، ولكنى ساديه، فواداه.
قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنِي عبد الرَّحْمَن بن جندب، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، قَالَ: لما بلغ عَلِيًّا مصاب بني ناجية وقتل صاحبهم قَالَ: هوت أمه! مَا كَانَ أنقص عقله، وأجرأه عَلَى ربه! فإن جائيا جاءني مرة فَقَالَ لي:
فِي أَصْحَابك رجال قَدْ خشيت أن يفارقوك، فما ترى فِيهِمْ؟ فقلت لَهُ:
إني لا آخذ عَلَى التهمة، وَلا أعاقب عَلَى الظن، وَلا أقاتل إلا من خالفني وناصبني وأظهر لي العداوة، ولست مقاتله حَتَّى أدعوه وأعذر إِلَيْهِ، فإن تاب ورجع إلينا قبلنا مِنْهُ، وَهُوَ أخونا، وإن أبى إلا الاعتزام عَلَى حربنا استعنا عَلَيْهِ اللَّه، وناجزناه فكف عني مَا شاء اللَّه ثُمَّ جاءني مرة أخرى فَقَالَ لي: قَدْ خشيت أن يفسد عَلَيْك عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي وزَيْد بن حصين، انى سمعتهما يذكر انك بأشياء لو سمعتها لم تفارقهما عَلَيْهَا حَتَّى تقتلهما أو توبقهما، فلا تفارقهما من حبسك أبدا، فقلت: إني مستشيرك فيهما، فماذا تأمرني بِهِ؟ قَالَ: فإني آمرك أن تدعو بهما، فتضرب رقابهما، فعلمت أنه لا ورع وَلا عاقل، فقلت: وَاللَّهِ مَا أظنك ورعا وَلا عاقلا