فأقبل رقبة بن الحر العنبري حتى اقتحم النار، فانتهى إلى باب المدينة ورجل من أصحاب ثابت واقف يحمي أصحابه، فقتله، ثم رجع فخاض النار وهي تلتهب، وقد أخذت بجوانب نمط عليه، فرمى به عنه ووقف، وتحصن ثابت في المدينة، وأقام موسى في الربض، وكان ثابت حين شخص إلى حشورا أرسل إلى طرخون، فأقبل طرخون معينا له، وبلغ موسى مجيء طرخون، فرجع إلى الترمذ، وأعانه أهل كس ونسف وبخارى، فصار ثابت في ثمانين ألفا، فحصروا موسى وقطعوا عنه المادة حتى جهدوا.
قال: وكان أصحاب ثابت يعبرون نهرا إلى موسى بالنهار- ثم يرجعون بالليل إلى عسكرهم، فخرج يوما رقبة- وكان صديقا لثابت، وقد كان ينهى أصحاب موسى عما صنعوا- فنادى ثابتا، فبرز له- وعلى رقبة قباء خز- فقال له: كيف حالك يا رقبة؟ فقال: ما تسأل عن رجل عليه جبة خز في حمارة القيظ! وشكا إليه حالهم، فقال: أنتم صنعتم هذا بأنفسكم، فقال: أما والله ما دخلت في أمرهم، ولقد كرهت ما أرادوا، فقال ثابت: أين تكون حتى يأتيك ما قدر لك؟ قال: أنا عند المحل الطفاوي- رجل من قيس من يعصر- وكان المحل شيخا صاحب شراب- فنزل رقبة عنده.
قال: فبعث ثابت إلى رقبه بخمسمائة درهم مع علي بن المهاجر الخزاعي، وقال: إن لنا تجارا قد خرجوا من بلخ، فإذا بلغك أنهم قد قدموا فأرسل إلي تأتك حاجتك فأتى على باب المحل، فدخل فإذا رقبة والمحل جالسان بينهما جفنة فيها شراب، وخوان عليه دجاج وأرغفة، ورقبة شعث الرأس، متوشح بملحفة حمراء، فدفع إليه الكيس، وأبلغه الرسالة وما كلمه، وتناول الكيس وقال له بيده، اخرج، ولم يكلمه قال: وكان رقبة جسيما كبيرا، غائر العينين، ناتئ الوجنتين، مفلج، بين كل سنين له موضع سن، كان وجهه ترس