للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأساورة، فدعاهم وأدخل الرؤساء من الناس، ودعا موبذ موبذان، فأقعد على كرسي مقابل سريره، ثم قام على سريره، وقام أشراف أهل بيت المملكة وأشراف الأساورة على أرجلهم، فقال: اجلسوا فإني إنما قمت لأسمعكم كلامي فجلسوا فقال: أيها الناس، إنما الخلق للخالق، والشكر للمنعم، والتسليم للقادر، ولا بد مما هو كائن، وإنه لا أضعف من مخلوق طالبا كان أو مطلوبا، ولا أقوى من خالق، ولا أقدر ممن طلبته في يده، ولا أعجز ممن هو في يد طالبه، وإن التفكر نور، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، وقد ورد الأول ولا بد للآخر من اللحاق بالأول، وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله! وإن الله عز وجل أعطانا هذا الملك فله الحمد، ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين، وإن للملك على أهل مملكته حقا، ولأهل مملكته عليه حقا، فحق الملك على أهل المملكة أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوه، وحقهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها، إذ لا معتمد لهم على غيرها، وإنها تجارتهم وحق الرعية على الملك أن ينظر لهم، ويرفق بهم، ولا يحملهم على ما لا يطيقون، وإن أصابتهم مصيبه تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أو الأرض أن يسقط عنهم خراج ما نقص، وإن اجتاحتهم مصيبة أن يعوضهم ما يقويهم على عماراتهم، ثم يأخذ منهم بعد ذلك على قدر ما لا يجحف بهم في سنة أو سنتين، وأمر الجند للملك بمنزلة جناحي الطائر، فهم أجنحة الملك متى قص من الجناح ريشة كان ذلك نقصانا منه، فكذلك الملك إنما هو بجناحه وريشه ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث خصال: أولها أن يكون صدوقا لا يكذب، وأن يكون سخيا لا يبخل، وأن يملك نفسه عند الغضب، فإنه مسلط ويده مبسوطة، والخراج يأتيه، فينبغي ألا يستأثر عن جنده ورعيته بما هم أهل له، وأن يكثر العفو، فإنه لا ملك أبقى من ملك فيه العفو، ولا أهلك من ملك فيه العقوبة ألا

<<  <  ج: ص:  >  >>