للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن المرء إن يخطئ في العفو فيعفو، خير من أن يخطئ في العقوبة فينبغي للملك أن يتثبت في الأمر الذي فيه قتل النفس وبوارها وإذا رفع إليه من عامل من عماله ما يستوجب به العقوبة فلا ينبغي له أن يحابيه، وليجمع بينه وبين المتظلم، فإن صح عليه للمظلوم حق خرج اليه منه، وان عجز عنه أدى عنه الملك ورده إلى موضعه، وأخذه بإصلاح ما أفسد، فهذا لكم علينا.

ألا ومن سفك دما بغير حق، أو قطع يدا بغير حق، فإني لا أعفو عن ذلك إلا أن يعفو عنه صاحبه فخذوا هذا عني وإن الترك قد طمعت فيكم فاكفونا، فإنما تكفون أنفسكم، وقد أمرت لكم بالسلاح والعدة وأنا شريككم في الرأي، وإنما لي من هذا الملك اسمه مع الطاعة منكم ألا وإن الملك ملك إذا أطيع، فإذا خولف فذلك مملوك ليس بملك ومهما بلغنا من الخلاف فإنا لا نقبله من المبلغ له حتى نتيقنه، فإذا صحت معرفة ذلك وإلا أنزلناه منزلة المخالف ألا وإن أكمل الأداة عند المصيبات الأخذ بالصبر والراحة إلى اليقين، فمن قتل في مجاهدة العدو رجوت له الفوز برضوان الله وأفضل الأمور التسليم لأمر الله والراحة إلى اليقين والرضا بقضائه، وأين المهرب مما هو كائن! وإنما يتقلب في كف الطالب، وإنما هذه الدنيا سفر لأهلها لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها، وإنما بلغتهم فيها بالعواري، فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم لمن القضاء له! ومن أحق بالتسليم لمن فوقه ممن لا يجد مهربا إلا إليه، ولا معولا إلا عليه! فثقوا بالغلبة إذا كانت نياتكم أن النصر من الله، وكونوا على ثقة من درك الطلبة إذا صحت نياتكم واعلموا أن هذا الملك لا يقوم إلا بالاستقامة وحسن الطاعة وقمع العدو وسد الثغور والعدل للرعية وإنصاف المظلوم، فشفاؤكم عندكم، والدواء الذي لا داء فيه الاستقامة، والأمر بالخير والنهى عن الشر، ولا قوه الا بالله انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم، ومتى عدلتم فيها رغبوا في العمارة، فزاد ذلك في خراجكم، وتبين في زيادة أرزاقكم، وإذا خفتم على الرعية زهدوا في العمارة، وعطلوا أكثر الأرض فنقص ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>