وعمله في اليوم الثاني فصار دونه، وجاء به في اليوم الثالث، فقلت: لا تقدمه.
وذكر أن الرشيد اعتل علة، فعالجه الأطباء، فلم يجد من علته إفاقة، فقال له أبو عمر الأعجمي: بالهند طبيب يقال له منكه، رأيتهم يقدمونه على كل من بالهند، وهو أحد عبادهم وفلاسفتهم، فلو بعث إليه أمير المؤمنين لعل الله أن يبعث له الشفاء على يده! قَالَ: فوجه الرشيد من حمله، ووجه إليه بصلة تعينه على سفره قَالَ: فقدم فعالج الرشيد فبرئ من علته بعلاجه، فأجرى له رزقا واسعا وأموالا كافية، فبينا منكه مارا بالخلد، إذا هو برجل من المانيين قد بسط كساءه، وألقى عليه عقاقير كثيرة، وقام يصف دواء عنده معجونا، فقال في صفته: هذا دواء للحمى الدائمة وحمى الغب وحمى الربع، والمثلثة، ولوجع الظهر والركبتين والبواسير والرياح، ولوجع المفاصل ووجع العينين، ولوجع البطن والصداع والشقيقة ولتقطير البول والفالج والارتعاش فلم يدع علة في البدن إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاء منها، فقال منكه لترجمانه: ما يقول هذا؟ فترجم له ما سمع، فتبسم منكه، وقال: على كل حال ملك العرب جاهل، وذاك أنه إن كان الأمر على ما قَالَ هذا، فلِمَ حملني من بلادي، وقطعني عن اهلى، وتكلف الغليظ من مئونتي، وهو يجد هذا نصب عينه وبإزائه! وإن كان الأمر ليس كما يقول هذا فلم لا يقتله! فإن الشريعة قد أباحت دمه ودم من أشبهه، لأنه إن قتل، فإنما هي نفس يحيا بقتلها خلق كثير، وإن ترك هذا الجاهل قتل في كل يوم نفسا، وبالحري أن يقتل اثنتين وثلاثا وأربعا في كل يوم، وهذا فساد في التدبير، ووهن في المملكة.
وذكر أن يحيى بْن خالد بْن برمك ولى رجلا بعض أعمال الخراج بالسواد، فدخل إلى الرشيد يودعه، وعنده يحيى وجعفر بن بْن يحيى، فقال الرشيد ليحيى وجعفر: أوصياه، فقال له يحيى: وفر واعمر، وقال له جعفر: انصف