وذكر عن الرشيد أنه غضب على يزيد بْن مزيد الشيباني، ثم رضي عنه، وأذن له، فدخل عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي سهل لنا سبيل الكرامة، وحل لنا النعمة بوجه لقائك، وكشف عنا صبابة الكرب بإفضالك، فجزاك الله في حال سخطك رضا المنيبين، وفي حال رضاك جزاء المنعمين الممتنين المتطولين، فقد جعلك الله وله الحمد، تتثبت تحرجا عند الغضب، وتتطول ممتنا بالنعم، وتعفو عن المسيء تفضلا بالعفو وذكر مصعب بْن عبد الله الزبيري أن أباه عبد الله بْن مصعب أخبره أن الرشيد قَالَ له: ما تقول في الذين طعنوا على عثمان؟ قَالَ: قلت: يا أمير المؤمنين، طعن عليه ناس، وكان معه ناس، فأما الذين طعنوا عليه فتفرقوا عنه، فهم أنواع الشيع، وأهل البدع، وأنواع الخوارج، وأما الذين كانوا معه فهم أهل الجماعة إلى اليوم فقال لي: ما أحتاج أن أسأل بعد هذا.
اليوم عن هذا.
قَالَ مصعب: وقال أبي- وسألني عن منزلة أبي بكر وعمر كانت من رسول الله ص، فقلت له: كانت منزلتهما في حياته منه منزلتهما في مماته، فقال: كفيتني ما أحتاج إليه.
قَالَ: وولى سلام، أو رشيد الخادم- بعض خدام الخاصة- ضياع الرشيد بالثغور والشامات، فتواترت الكتب بحسن سيرته وتوفيره وحمد الناس له، فأمر الرشيد بتقديمه والإحسان إليه، وضم ما أحب أن يضم إليه من ضياع الجزيرة ومصر قَالَ: فقدم فدخل عليه وهو يأكل سفر جلا قد أتى به من بلخ، وهو يقشره ويأكل منه، فقال له: يا فلان، ما أحسن ما انتهى إلى مولاك عنك، ولك عنده ما تحب، وقد أمرت لك بكذا وكذا، ووليتك كذا وكذا، فسل حاجتك، قَالَ: فتكلم وذكر حسن سيرته، وقال: أنسيتهم