كتبه! فقال له محمد: إن رأي الرشيد كان فلتة شبهها عليه جعفر بْن يحيى بسحره، واستماله برقاه وعقده، فغرس لنا غرسا مكروها لا ينفعنا ما نحن فيه معه إلا بقطعه، ولا تستقيم لنا الأمور إلا باجتثاثه والراحة منه فقال:
أما إذا كان راى امير المؤمنين خلعه، فلا يجاهره مجاهرة فيستنكرها الناس، ويستشنعها العامة، ولكن تستدعي الجند بعد الجند والقائد بعد القائد، وتؤنسه بالألطاف والهدايا، وتفرق ثقاته ومن معه، وترغبهم بالأموال، وتستميلهم بالأطماع، فإذا أوهنت قوته، واستفرغت رجاله، أمرته بالقدوم عليك، فإن قدم صار إلى الذي تريد منه، وإن أبى كنت قد تناولته وقد كل حده وهيض جناحه، وضعف ركنه وانقطع عزه فقال محمد: ما قطع أمرا كصريمة، أنت مهذار خطيب، ولست بذي رأي، فزل عن هذا الرأي إلى الشيخ الموفق والوزير الناصح، قم فالحق بمدادك وأقلامك، قال يحيى:
فقلت: غضب يشوبه صدق ونصيحه، اشرت الى راى يخلطه غش وجهل قال: فو الله ما ذهبت الأيام حتى ذكر كلامه، وقرعه بخطئه وخرقه.
قال سهل بْن هارون: وقد كان الفضل بْن سهل دس قوما اختارهم ممن يثق به من القواد والوجوه ببغداد ليكاتبوه بالأخبار يوما يوما، فلما هم محمد بخلع المأمون، بعث الفضل بْن الربيع إلى أحد هؤلاء الرجال يشاوره فيما يرى من ذلك، فعظم الرجل عليه أمر نقض العهد للمأمون، وقبح الغدر به.
فقال له الفضل: صدقت، ولكن عبد الله قد أحدث الحدث الذي وجب به نقض ما أخذ الرشيد له قال: افتثبت الحجة عند العوام بمعلوم حدثه كما تثبت الحجة بما جدد من عهده! قَالَ: لا، قَالَ: أفحدث هذا منكم يوجب عند العامة نقض عهدكم ما لم يكن حدثه معلوما يجب به فسخ عهده! قَالَ: نعم، قَالَ الرجل- ورفع صوته: بالله ما رأيت كاليوم رأي رجل يرتاد به النظر، يشاور في رفع ملك في يده بالحجة ثم يصير إلى مطالبته بالعناد والمغالبة! قَالَ: فأطرق الفضل مليا، ثم قال: صدقتني الرأي، واحتملت ثقل الأمانة، ولكن أخبرني ان نحن أغمضنا من قالة العامة ووجدنا مساعدين