قَالَ: فلما استقر في البيت حسر العمامة عن وجهه، فإذا هو محمد، فاستعبرت واسترجعت فيما بيني وبين نفسي قَالَ: وجعل ينظر إلي، ثم قَالَ:
أيهم أنت؟ قَالَ: قلت: أنا مولاك يا سيدي، قَالَ: وأي الموالي؟ قلت:
أحمد بْن سلام صاحب المظالم، فقال: وأعرفك بغير هذا، كنت تأتيني بالرقة؟
قَالَ: قلت: نعم، قَالَ: كنت تأتيني وتلطفني كثيرا، لست مولاي بل أنت أخي ومني ثم قَالَ: يا أحمد، قلت: لبيك يا سيدي، قال: ادن منى وضمني إليك، فانى أجد وحشة شديدة قَالَ: فضممته إلي، فإذا قلبه يخفق خفقا شديدا كاد أن يفرج عن صدره فيخرج قَالَ: فلم أزل أضمه إلي وأسكنه قَالَ: ثم قَالَ: يا أحمد، ما فعل أخي؟ قَالَ: قلت: هو حي، قَالَ: قبح الله صاحب بريدهم ما أكذبه! كان يقول: قد مات، شبه المعتذر من محاربته، قال: قلت: بل قبح الله وزراءك! قَالَ: لا تقل لوزرائي إلا خيرا، فما لهم ذنب، ولست بأول من طلب أمرا فلم يقدر عليه قَالَ: ثم قَالَ: يا أحمد، ما تراهم يصنعون بي؟ أتراهم يقتلوني أو يفون لي بأيمانهم؟ قَالَ:
قلت: بل يفون لك يا سيدي قَالَ: وجعل يضم على نفسه الخرقة التي على كتفيه، ويضمها ويمسكها بعضده يمنة ويسرة قَالَ: فنزعت مبطنة كانت علي ثم قلت: يا سيدي، ألق هذه عليك قَالَ: ويحك! دعني، هذا من الله عز وجل، لي في هذا الموضع خير.
قَالَ: فبينا نحن كذلك، إذ دق باب الدار، ففتح، فدخل علينا رجل عليه سلاحه، فتطلع في وجهه مستثبتا له، فلما أثبته معرفة، انصرف وغلق الباب، وإذا هو محمد بْن حميد الطاهري، قَالَ: فعلمت أن الرجل مقتول.
قَالَ: وكان بقي علي من صلاتي الوتر، فخفت أن أقتل معه ولم أوتر، قَالَ:
فقمت أوتر، فقال لي: يا أحمد، لا تتباعد مني، وصل إلى جانبي، أجد وحشة شديدة قَالَ: فاقتربت منه، فلما انتصف الليل أو قارب، سمعت حركة الخيل، ودق الباب، ففتح، فدخل الدار قوم من العجم بأيديهم السيوف مسللة، فلما رآهم قام قائما، وقال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! ذهبت والله