وارتفعت الضجة، وكان مع أبي دلف في كردوس قوم من المطوعة من أهل البصرة وغيرهم، فلما نظروا إلى جعفر يحارب، انحدر أولئك المطوعة بغير أمر الأفشين، وعبروا إلى ذلك جانب الوادي، حتى صاروا إلى جانب البذ، فتعلقوا به، وأثروا فيه آثارا، وكادوا يصعدونه فيدخلون البذ، ووجه جعفر إلى الأفشين: ان امدنى بخمسمائة راجل من الناشبة، فإني أرجو أن أدخل البذ إن شاء الله، ولست أرى في وجهي كثير أحد إلا هذا الكردوس الذي تراه أنت فقط- يعني كردوس آذين- فبعث إليه الأفشين أن قد أفسدت علي أمري، فتخلص قليلا قليلا، وخلص أصحابك وانصرف وارتفعت الضجة من المطوعة حين تعلقوا بالبذ، وظن الكمناء الذين أخرجهم بابك أنها حرب قد اشتبكت، فنعروا ووثبوا من تحت عسكر بخاراخذاه، ووثب كمين آخر من وراء الركوة التي كان الأفشين يقعد عليها، فتحركت الخرمية، والناس وقوف على رءوسهم لم يزل منهم أحد، فقال الأفشين: الحمد لله الذي بين لنا مواضع هؤلاء.
ثم انصرف جعفر وأصحابه والمطوعة، فجاء جعفر إلى الأفشين، فقال له: إنما وجهني سيدي أمير المؤمنين للحرب التي ترى، ولم يوجهني للقعود هاهنا، وقد قطعت بي في موضع حاجتي ما كان يكفيني الا خمسمائة راجل حتى أدخل البذ أو جوف داره، لأني قد رأيت من بين يدي فقال له الأفشين: لا تنظر إلى ما بين يديك، ولكن انظر إلى ما خلفك وما قد وثبوا ببخار اخذاه وأصحابه فقال الفضل بن كاوس لجعفر الخياط: لو كان الأمر إليك ما كنت تقدر أن تصعد إلى هذا الموضع الذي أنت عليه واقف، حتى تقول: كنت وكنت فقال له جعفر: هذه الحرب، وها أنا واقف لمن جاء فقال له الفضل: لولا مجلس الأمير لعرفتك نفسك الساعة، فصاح بهما الأفشين، فأمسكا، وأمر أبا دلف أن يرد المطوعة عن السور، فقال أبو دلف للمطوعة: انصرفوا فجاء رجل منهم ومعه صخرة، فقال: أتردنا