فقالوا له: ما ينبغي لنا أن يملكنا إلا أنت، إذ أرحتنا من هذا الخبيث.
فملكوه واستجمعت عليه حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير وتهود وتهودت معه حمير، وتسمى يوسف، فأقام في ملكه زمانا وبنجران بقايا من أهل دين عيسى على الإنجيل، أهل فضل واستقامة، لهم من أهل دينهم رأس يقال له عبد الله بن الثامر، وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران، وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان، وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها ثم إن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين وقع بين أظهرهم يقال له فيميون، فحملهم عليه فدانوا به قَالَ هشام: زرعة ذو نواس، فلما تهود سمي يوسف، وهو الذي خد الأخدود بنجران وقتل النصارى.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس، عن وهب بن منبه اليماني، أنه حدثهم إن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى بن مريم يقال له فيميون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مجاب الدعوة، وكان سائحا ينزل القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف فيها وكان لا يأكل إلا من كسب يده، وكان بناء يعمل الطين، وكان يعظم الأحد، فإذا كان الأحد لم يعمل فيه شيئا، وخرج إلى فلاة من الأرض فصلى بها حتى يمسي، وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا، إذ فطن لشأنه رجل من أهلها، يقال له صالح، فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله، فكان يتبعه حيث ذهب، ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض كما كان يصنع، وقد اتبعه صالح، وفيميون لا يدري، فجلس صالح منه منظر العين، مستخفيا منه لا يحب أن يعلم مكانه، وقام فيميون يصلي، فبينا هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين- الحية ذات الرءوس السبعة- فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت، ورآها صالح،