للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذه العبارة قد يتوهَّم فيه - لنقصه - أنه إنما جمع بينهما في الضمير؛ لأنه أهمل الفصل بينهما في الضمير والفرق، فلذلك امتنع لما فيه من إيهام التسوية. ومنصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غاية الجلالة والبعد عن الوهم والتوهم، فلا يقع بسبب جمعه عليه الصلاة والسلام إيهام التسوية. وثانيهما: ذكره بعض الفضلاء، فقال: كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جملة واحدة، وتقدم الظاهر من الجملة الواحدة يُبْعد استعمال الظاهر في موضع

الضمير، بل الضمير هو الحسن. وكلام الخطيب جملتان، إحداهما مدح، والأخرى ذم، فلذلك حَسُن منه استعمال الظواهر مكان المضمرات)) (١) .

ب - قال في معرض ردّه على الذين يكتفون بالظواهر عن أحوال الناس في أمر العدالة: ((وأما الاكتفاء بالظاهر فهو شأن الجهلة الأغبياء الضعفاء الحزم والعزم، ومثل هؤلاء لا ينبغي للحاكم الاعتماد على قولهم في التزكية. وكلُّ من كان يغلب عليه حسن الظن بالناس لا ينبغي أن يكون مزكِّياً ولا حاكماً لبُعْده من الحزم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ((الحزم سوء الظن)) ، فمن ضيَّع سوء الظن، فقد ضيع الحزم. نعم لا ينبغي أن يبني على سوء ظنه شيئاً إلا لمستندٍ شرعي، وهو معنى قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: ١٢] أي: اجتنبوا العمل به حتى يثبت بطريقٍ شرعي)) (٢) .

(٤) الدراية بالواقع مع وقائع تاريخية:

يمكن تصيُّد بعض المواقف في الكتاب التي تدلُّ على معايشة القرافي لواقعه وفهمه وفقهه له، مع ما في ذلك من تسجيلها في صفحات التاريخ. من ذلك درايته الدقيقة بما حواه كتاب التوراة (العهد القديم) ، مما مكَّنه من تفنيد دعواهم الباطلة بإنكار النسخ (٣) .

ومن الأمثلة أيضاً، قوله: ((قال: تقلَّد محاريب البلاد العامرة التي تتكرر الصلاة فيها، ويُعلم أن إمام المسلمين بناها ونصبها أو اجتمع أهل البلدة على بنائها. . .)) ثم قال في الشرح: ((قلت: هذا بشرط أن لا يشتهر الطعن فيها كمحاريب القرى


(١) شرح تنقيح الفصول (المطبوع) ص ١٠٠ - ١٠١.
(٢) انظر: القسم التحقيقي ص ٢٤٧ - ٢٤٨.
(٣) انظر: القسم التحقيقي ص ٥٣ - ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>