الْوَجْهُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: إنَّهُمْ إذَا قَالُوا قَوْلًا أَوْ بَعْضُهُمْ ثُمَّ خَالَفَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ مُبْتَدِئًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ وَمُبْتَدِعًا لَهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» وَقَوْلُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ يُخَالِفُهُمْ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَلَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُمْ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: اتَّبِعُوا وَلَا تَبْتَدِعُوا، فَقَدْ كُفِيتُمْ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّا نَقْتَدِي وَلَا نَبْتَدِي، وَنَتَّبِعُ وَلَا نَبْتَدِعُ، وَلَنْ نَضِلَّ مَا تَمَسَّكْنَا بِالْأَثَرِ. وَقَالَ أَيْضًا: إيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ، وَعَلَيْكُمْ بِالدِّينِ الْعَتِيقِ وَقَالَ أَيْضًا: أَنَا لِغَيْرِ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ الدَّجَّالِ، أُمُورٌ تَكُونُ مِنْ كُبَرَائِكُمْ، فَأَيُّمَا مِرْيَةَ أَوْ رُجَيْلٍ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَالسَّمْتَ الْأَوَّلَ، فَالسَّمْتَ الْأَوَّلَ، فَأَنَا الْيَوْمَ عَلَى السُّنَّةِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ؛ فَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَقَالَ أَيْضًا: اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ، فَإِنَّك لَنْ تَضِلَّ مَا أَخَذْت بِالْأَثَرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يُقَالُ عَلَيْكُمْ بِالِاسْتِقَامَةِ وَالْأَثَرِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّبَدُّعَ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: إنَّمَا أَقْتَفِي الْأَثَرَ، فَمَا وَجَدْت قَدْ سَبَقَنَا إلَيْهِ غَيْرُكُمْ حَدَّثْتُكُمْ بِهِ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَوْ بَلَغَنِي عَنْهُمْ يَعْنِي الصَّحَابَةَ أَنَّهُمْ لَمْ يُجَاوِزُوا بِالْوُضُوءِ ظُفُرًا مَا جَاوَزْته بِهِ، وَكَفَى عَلَى قَوْمٍ وِزْرًا أَنْ تُخَالِفَ أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالَ أَصْحَابِ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعْ النَّاسُ بِدْعَةً إلَّا وَقَدْ مَضَى فِيهَا مَا هُوَ دَلِيلٌ وَعِبْرَةٌ مِنْهَا، وَالسُّنَّةُ مَا اسْتَنَّهَا إلَّا مَنْ عَلِمَ مَا فِي خِلَافِهَا مِنْ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ وَالْحُمْقِ وَالتَّعَمُّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِك مَا رَضِيَ الْقَوْمُ. وَقَالَ أَيْضًا: قِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ، وَقُلْ كَمَا قَالُوا، وَاسْكُتْ كَمَا سَكَتُوا؛ فَإِنَّهُمْ عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَاقِدٍ كَفُّوا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِهَا كَانُوا أَقْوَى، وَبِالْفَضْلِ لَوْ كَانَ فِيهَا أَحْرَى. أَيْ فَلَئِنْ كَانَ الْهُدَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَلَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ حَدَثَ بَعْدَهُمْ فَمَا أَحْدَثَهُ إلَّا مَنْ سَلَكَ غَيْرَ سَبِّ يَلِهِمْ وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ، وَإِنَّهُمْ لَهُمْ السَّابِقُونَ، وَلَقَدْ تَكَلَّمُوا مِنْهُ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مُقَصِّرٌ، وَلَا فَوْقَهُمْ مُجَسِّرٌ، وَلَقَدْ قَصَّرَ عَنْهُمْ قَوْمٌ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ آخَرُونَ عَنْهُمْ فَغَلَوْا، وَإِنَّهُمْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ. وَقَالَ أَيْضًا كَلَامًا كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ يَسْتَحْسِنُونَهُ وَيُحَدِّثُونَ بِهِ دَائِمًا، قَالَ: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَنًا الْأَخْذُ بِهَا تَصْدِيقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتِكْمَالٌ لِطَاعَتِهِ وَقُوَّةٌ عَلَى دِينِهِ، لَيْسَ لِأَحَدٍ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا وَلَا النَّظَرُ فِي رَأْيِ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute