بِمُسَاوَاتِهَا لِلرَّجُلِ، وَلِهَذَا اسْتَوَى الْجَنِينُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي الدِّيَةِ لِقِلَّةِ دِيَتِهِ، وَهِيَ الْغُرَّةُ، فَنَزَلَ مَا دُونَ الثُّلُثِ مَنْزِلَةَ الْجَنِينِ.
وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَحِكْمَةُ التَّفْضِيلِ فِيهِ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّ الذَّكَرَ أَحْوَجُ إلَى الْمَالِ مِنْ الْأُنْثَى؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ، وَالذَّكَرُ أَنْفَعُ لِلْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ الْأُنْثَى. وَقَدْ أَشَارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ فَرَضَ الْفَرَائِضَ وَفَاوَتَ بَيْنَ مَقَادِيرِهَا {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: ١١] وَإِذَا كَانَ الذَّكَرُ أَنْفَعُ مِنْ الْأُنْثَى وَأَحْوَجُ كَانَ أَحَقَّ بِالتَّفْضِيلِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يُنْتَقَضُ بِوَلَدِ الْأُمِّ. قِيلَ: بَلْ طَرْدُ هَذِهِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ وَلَدِ الْأُمِّ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَرِثُونَ بِالرَّحِمِ الْمُجَرَّدِ، فَالْقَرَابَةُ الَّتِي يَرِثُونَ بِهَا قَرَابَةَ أُنْثَى فَقَطْ، وَهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ؛ فَلَا مَعْنَى لِتَفْضِيلِ ذَكَرِهِمْ عَلَى أُنْثَاهُمْ، بِخِلَافِ قَرَابَةِ الْأَبِ. وَأَمَّا الْعَقِيقَةُ فَأَمْرُ التَّفْضِيلِ فِيهَا تَابِعٌ لِشَرَفِ الذَّكَرِ، وَمَا مَيَّزَهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْأُنْثَى، وَلَمَّا كَانَتْ النِّعْمَةُ بِهِ عَلَى الْوَالِدِ أَتَمَّ، وَالسُّرُورُ وَالْفَرْحَةُ بِهِ أَكْمَلَ؛ كَانَ الشُّكْرَانُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ؛ فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَتْ النِّعْمَةُ كَانَ شُكْرُهَا أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصَلِّ الْحِكْمَةُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ زَمَانٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَمَكَانٍ فِي الْفَضْل]
فَصْلٌ:
[الْحِكْمَةُ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ زَمَانٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَمَكَانٍ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَخَصَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَفَضَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، مَعَ تَسَاوِيهَا - إلَخْ " فَالْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى صَادِقَةٌ، وَالثَّانِيَةُ كَاذِبَةٌ. وَمَا فَضَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا لِخَصَائِصَ قَامَتْ بِهَا اقْتَضَتْ التَّخْصِيصَ، وَمَا خَصَّ سُبْحَانَهُ شَيْئًا إلَّا بِمُخَصَّصٍ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا وَقَدْ يَكُونُ خَفِيًّا، وَاشْتِرَاكُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ فِي مُسَمًّى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَاشْتِرَاكِ الْحَيَوَانِ فِي مُسَمَّى الْحَيَوَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِيَّةِ، بَلْ وَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَعُمُّهَا.
وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ اسْتِوَاءَهَا فِي أَنْفُسِهَا، وَالْمُخْتَلِفَاتُ تَشْتَرِكُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَالْمُتَّفِقَاتُ تَتَبَايَنُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحْكَمُ وَأَعْلَمُ مِنْ أَنْ يُفَضِّلَ مِثْلًا عَلَى مِثْلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِلَا صِفَةٍ تَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، هَذَا مُسْتَحِيلٌ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَحِكْمَتُهُ وَعَدْلُهُ تَأْبَى هَذَا وَهَذَا.
وَقَدْ نَزَّهَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَمَّنْ يَظُنُّ بِهِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ زَعْمَهُ الْبَاطِلَ، وَجَعَلَهُ حُكْمًا مُنْكَرًا، وَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ لَبَطَلَتْ حُجَجُهُ وَأَدِلَّتُهُ؛ فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، وَعَلَى أَلَّا يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ؛ فَلَا يَجْعَلُ الْأَبْرَارَ كَالْفُجَّارِ، وَلَا الْمُؤْمِنِينَ كَالْكُفَّارِ، وَلَا مَنْ أَطَاعَهُ كَمَنْ عَصَاهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute