وَإِنْ حُكِمَ بِخِلَافِهَا طَرَقَ الْخَصْمُ إلَى تُهْمَتِهِ وَالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ وَيُفْتِي بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ: أَنَا أَقْضِي لَكُمْ وَلَا أُفْتِي، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَاخْتَارَ كَرَاهِيَةَ الْفَتْوَى فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: لِأَصْحَابِنَا فِي فَتْوَاهُ فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ جَوَابَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا؛ لِأَنَّ لِكَلَامِ النَّاسِ عَلَيْهِ مَجَالًا وَلِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَيْهِ مَقَالًا، وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لَهُ.
[فُتْيَا الْحَاكِمِ وَحُكْمُهَا]
[فُتْيَا الْحَاكِمِ وَحُكْمُهَا] الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: (فُتْيَا الْحَاكِمِ لَيْسَتْ حُكْمًا مِنْهُ) ، وَلَوْ حَكَمَ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِحُكْمِهِ، وَلَا هِيَ كَالْحُكْمِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ وَمَنْ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ وَمَنْ لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ هِنْدٍ دَلِيلٌ عَلَى الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَفْتَاهَا فَتْوَى مُجَرَّدَةً، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ، وَكَانَتْ مُرَاسَلَتُهُ وَإِحْضَارُهُ مُمْكِنَةً، وَلَا طَلَبَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ بِحَمْدِ اللَّهِ.
[فَتَوَى الْمُفْتِي عَمَّا لَمْ يَقَعْ]
[هَلْ يُجِيبُ الْمُفْتِي عَمَّا لَمْ يَقَعْ؟] الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ: إذَا سَأَلَ الْمُسْتَفْتِي عَنْ مَسْأَلَةٍ لَمْ تَقَعْ، فَهَلْ تُسْتَحَبُّ إجَابَتُهُ أَوْ تُكْرَهُ أَوْ تَخَيَّرَ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَمْ يَقَعْ، وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إذَا سَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ: هَلْ كَانَ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ تَكَلَّفَ لَهُ الْجَوَابَ، وَإِلَّا قَالَ: دَعْنَا فِي عَافِيَةٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَكَ فِيهَا إمَامٌ.
وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَثَرٌ عَنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يُكْرَهْ الْكَلَامُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَصٌّ وَلَا أَثَرٌ فَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةَ الْوُقُوعِ أَوْ مُقَدَّرَةً لَا تَقَعُ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الْكَلَامُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ وُقُوعُهَا غَيْرَ نَادِرٍ وَلَا مُسْتَبْعَدٍ، وَغَرَضُ السَّائِلِ الْإِحَاطَةُ بِعِلْمِهَا لِيَكُونَ مِنْهَا عَلَى بَصِيرَةٍ إذَا وَقَعَتْ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْجَوَابُ بِمَا يَعْلَمُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ السَّائِلُ يَتَفَقَّهُ بِذَلِكَ وَيَعْتَبِرُ بِهَا نَظَائِرَهَا، وَيَقْرَعُ عَلَيْهَا، فَحَيْثُ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْجَوَابِ رَاجِحَةً كَانَ هُوَ الْأَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ الْحِيَلِ]
[لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ الْحِيَلِ] الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute