للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقَامِي هَذَا إلَّا صَنَعْتُ وَصَنَعْتُ.

وَقَالَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ - فِي خِلَافَتِهِ لِقُضَاتِهِ: اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الْخِلَافَ، وَأَرْجُو أَنْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي.

وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ هَلَاكَ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِنَا إنَّمَا كَانَ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا لَمْ يَغْضَبْ مِثْلَهُ، قَالَ: ثُمَّ انْتَهَرَنَا، قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَا تُهَيِّجُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَهَجَ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ؟ أَوَ لَيْسَ عَنْ هَذَا نُهِيتُمْ؟ إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا» وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنَيْ الْعَاصِ أَنَّهُمَا قَالَا: «جَلَسْنَا مَجْلِسًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَنَّهُ أَشَدُّ اغْتِبَاطًا، فَإِذَا رِجَالٌ عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ يَتَرَاجَعُونَ فِي الْقَدَرِ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُمْ اعْتَزَلْنَاهُمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْفَ الْحُجْرَةِ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُغْضَبًا يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: يَا قَوْمِ بِهَذَا ضَلَّتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمْ الْكِتَابَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِتَضْرِبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلَكِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا تَشَابَهَ فَآمِنُوا بِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَآنِي أَنَا وَأَخِي جَالِسَيْنِ، فَغَبَطْنَا أَنْفُسَنَا أَنْ لَا يَكُونَ رَآنَا مَعَهُمْ» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحُمَيْدِيَّ وَإِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: أَجْمَعَ آلُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَنَّهَا صَحِيفَةُ عَبْدِ اللَّهِ.

[لَيْسَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ]

[إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ]

قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَقْيِسَةُ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِينَ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ؛ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ وَضِدُّهُ صَوَابًا، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّوَابُ، وَلَكِنْ لَيْسَ أَحَدُ الْقِيَاسَيْنِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَا سِيَّمَا قِيَاسُ الشَّبَهِ فَإِنَّ الْفَرْعَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ وَصْفَانِ شَبِيهَانِ لِلشَّيْءِ وَضِدِّهِ، فَلَيْسَ جَعْلُ أَحَدِهِمَا صَوَابًا دُونَ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ.

قَالُوا: وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَتْ لِي الْحِكْمَةُ اخْتِصَارًا» وَجَوَامِعُ الْكَلِمِ: هِيَ الْأَلْفَاظُ الْكُلِّيَّةُ الْعَامَّةُ الْمُتَنَاوِلَةُ لِأَفْرَادِهَا، فَإِذَا انْضَافَ ذَلِكَ إلَى بَيَانِهِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى رُتَبِ الْبَيَانِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ الْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ الَّتِي فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ إلَى لَفْظٍ أَطْوَلَ مِنْهَا وَأَقَلَّ بَيَانًا، مَعَ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْجَامِعَةَ تُزِيلُ الْوَهْمَ وَتَرْفَعُ الشَّكَّ وَتُبَيِّنُ الْمُرَادَ.

فَكَانَ يَقُولُ: «لَا تَبِيعُوا كُلَّ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ بِمِثْلِهِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فَهَذَا أَخْصَرُ وَأَبْيَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>